كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 1)

قلت: معناه أنهم قتلوهم بغير الحق عندهم، لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا في الأرض فيقتلوا، وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم، فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يستحقون به للقتل عندهم» «1» .
وقال الإمام الرازي: «فإن قيل: قال هنا وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وقال في آل عمران وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ فما الفرق؟ قلت. إن الحق المعلوم فيما بين المسلمين الذي يوجب القتل يتجلى في حديث: «لا يحل دم امرئ مسلّم إلا بإحدى ثلاث: «كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير حق» فالحق المذكور هنا بحرف التعريف إشارة إلى هذا وأما الحق المنكر فالمراد به تأكيد العموم، أى لم يكن هناك أى حق يستندون إليه، لا هذا الذي يعرفه المسلمون ولا غيره البتة» «2» .
ثم قال تعالى: ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ.
العصيان: الخروج عن طاعة الله. والاعتداء: تجاوز الحد الذي حده الله- تعالى- لعباده إلى غيره. وكل متجاوز حد شيء إلى غيره فقد تعداه إلى ما جاوز إليه. وللمفسرين في مرجع الإشارة «ذلك» رأيان:
أحدهما: أنه يعود إلى كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء، وعليه يكون المعنى:
إن هؤلاء اليهود قد مرنوا على عصيانهم لخالقهم، وتعديهم حدوده بجرأة وعدم مبالاة فنشأ عن هذا التمرد والطغيان أن كفروا بآيات الله- تعالى- وامتدت أيديهم الأثيمة إلى قتل الأنبياء بقلوب كالحجارة أو أشد قسوة.
والجملة الكريمة على هذا الرأى تفيد أن التردي في المعاصي وارتكاب المناهي، وتجاوز الحدود المشروعة، يؤدى إلى الانتقال من صغير الذنوب إلى كبيرها، ومن حقيرها إلى عظيمها، لأن هؤلاء اليهود لما استمرءوا المعاصي وداوموا على تعدى الحدود، هانت على نفوسهم الفضائل، وانكسرت أمام شهواتهم كل المثل العليا، فكذبوا بآيات الله تكذيبا وقتلوا من جاءهم بالهدى ودين الحق.
والثاني: يرى أصحابه أن اسم الإشارة الثاني يعود إلى نفس المشار إليه باسم الإشارة الأول، وتكون الحكمة في تكرار الإشارة هو تمييز المشار إليه حرصا على معرفته ويكون العصيان والاعتداء سببين آخرين لضرب الذلة والمسكنة عليهم، واستحقاقهم لغضب الله- تعالى-
__________
(1) تفسير الكشاف ج 1 ص 217.
(2) تفسير الفخر الرازي ج 1 ص 390.

الصفحة 155