كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 1)

اجتهد في الدعاء من أجل أن يزيدنا ربك إيضاحا، وكشفا لحال تلك البقرة التي تريد منا أن نذبحها، وإنا- إن شاء الله- بسبب هذا الإيضاح سنهتدى إليها، ثم إلى القاتل الحقيقي، وبذلك ندرك الحكمة، التي من أجلها أمرتنا بذبحها.
قال ابن جرير: وأما قوله تعالى: وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ فإنهم عنوا وإنا إن شاء الله لمبين لنا ما التبس علينا وتشابه من أمر البقرة التي أمرنا بذبحها. ومعنى اهتدائهم في هذا الموضع تبينهم ذلك الذي لزمهم ذبحه مما سواه من أجناس البقر» «1» .
وفي قوله تعالى: قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ، وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها إضافة أوصاف جديدة للبقرة المطلوبة، كانوا في غنى عنها لو أطاعوا نبيهم من أول الأمر، ولكنهم للجاجتهم، وسوء اختيارهم، وبعد أفهامهم عن مقاصد الشريعة، ضيقوا على أنفسهم دائرة الاختيار، فأصبحوا مكلفين بالبحث عن بقرة موصوفة بأنها متوسطة السن، لونها أصفر فاقع، تبهج الناظرين إليها، وهي، بعد ذلك، سائمة نفيسة غير مذللة ولا مدربة على حرث الأرض أو سقى الزرع، سليمة من العيوب، ليس فيها لون يخالف لونها الذي هو الصفرة الفاقعة.
وقوله تعالى: لا ذَلُولٌ «2» صفة لبقرة، يقال: بقرة ذلول، أى: ريضة زالت صعوبتها، وإثارة الأرض: تحريكها وقلبها بالحرث والزراعة والحرث: شقها لإلقاء البذور فيها.
والمراد: نفى التذليل ونفى إثارة الأرض وسقى الزرع عن البقرة المطلوبة.
أى: هي بقرة صعبة لم يذللها العمل في حراثة الأرض، ولا في سقى الزرع، فهي معفاة من العمل في هذه الأشياء. ولا في قوله تعالى: لا ذَلُولٌ للنفي، وفي قوله تعالى:
وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مزيدة لتوكيد الأولى، لأن المعنى: لا ذلول تثير وتسقى، وأعيد في قوله تعالى وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مراعاة للاستعمال الفصيح.
وقوله- تعالى-: مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها صفتان للبقرة، ومسلمة مفعلة من السلامة.
والشية: اللون المخالف لبقية لون الشيء، وأصله من وشى الشيء، وهو تحسين عيوبه التي تكون فيه بضروب مختلفة من ألوان سداه ولحمته.
والمعنى: إن هذه البقرة سليمة من العيوب المختلفة، وليس فيها لون يخالف لون جلدها من
__________
(1) تفسير ابن جرير ج 1 ص 358.
(2) الذلول- بفتح الذال- فعول من ذل ذلا- بكسر الذال- في المصدر بمعنى لأن وسهل، وأما الذل- بضم الذال- فهو ضد العز، وهما مصدران لفعل واحد خص في الاستعمال أحد المصدرين بأحد المعنيين.

الصفحة 168