كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 1)

وإلى هنا تكون هذه القصة قد دمغت بنى إسرائيل برذيلة التنطع في الدين، والتعنت في الأسئلة، والإساءة إلى نبيهم- عليه السلام- وعدم اعتبارهم بالعظات والمثلات. لقساوة قلوبهم، وسوء طباعهم، وانطماس بصيرتهم وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ.
ثم ساق القرآن بعد ذلك لونا آخر من ألوان رذائلهم. ويتمثل هذا اللون في تحريفهم للكلم عن مواضعه، واشترائهم بآيات الله ثمنا قليلا، وذلك لقسوة قلوبهم، وانطماس بصيرتهم، وبيعهم الدين بالقليل من حطام الدنيا، قال- تعالى-.

[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 79]
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
والآيات الكريمة التي معنا قد افتتحت بتيئيس المؤمنين من دخول اليهود في الإسلام ولكن هذا التيئيس قد سبق بما يدعمه ويؤيده، فقد بينت الآيات السابقة عليها «موقف اليهود الجحودى من نعم الله- عز وجل- كما بينت تنطعهم في الدين، وسوء إدراكهم لمقاصد الشريعة، وقساوة قلوبهم من بعد أن رأوا من الآيات البينات ما رأوا، وبعد هذا البيان الموحى بالقنوط من استجابتهم للحق، خاطب الله المؤمنين بقوله:

الصفحة 178