كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 1)

أولهما: هو إبراز نفسية المحب المخلص، وأنه يكون شديد الاحتياط دقيق التحري عن الطريق الموصل إلى ساحة الرضا في ثقة تملأ نفسه، وتفعم قلبه، ولا يجد في مثل هذا المقام ما يملأ نفسه ثقة إلا أن يبين الطريق، بأنه الطريق الذي وصل بالسير عليه من قبله الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون.
وثانيهما: أن من خواطر المؤمل في نعيم ربه أن يكون تمام أنسه في رفقة من الناس صالحين، وصحب منهم محسنين «1» .
وقوله- تعالى- غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بدل من الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وأتى في وصف الإنعام بالفعل المسند إلى الله- تعالى- فقال: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وفي وصف الغضب باسم المفعول فقال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وفي ذلك تعليم لأدب جميل، وهو أن الإنسان يجمل به أن يسند أفعال الإحسان إلى الله، ويتحامى أن يسند إليه أفعال العقاب والابتلاء، وإن كان كل من الإحسان والعقاب صادرا منه، ومن شواهد هذا قوله- تعالى- حكاية عن مؤمنى الجن وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً «2» .
وحرف (لا) في قوله وَلَا الضَّالِّينَ جيء به لتأكيد معنى النفي المستفاد من كلمة غير.
والمراد بالمغضوب عليهم اليهود. وبالضالين النصارى. وقد ورد هذا التفسير عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث رواه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه.
ومن المفسرين من قال بأن المراد بالمغضوب عليهم من فسدت إرادتهم حيث علموا الحق ولكنهم تركوه عنادا وجحودا، وأن المراد بالضالين من فقدوا العلم فهم تائهون في الضلالات دون أن يهتدوا إلى طريق قويم.
وقدم المغضوب عليهم على الضالين، لأن معنى المغضوب عليهم كالضد لمعنى المنعم عليهم، ولأن المقابلة بينهما أوضح منها بين المنعم عليهم والضالين، فكان جديرا بأن يوضع في مقابلته قبل الضالين.
قال العلماء: ويستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها (آمين) ومعناه اللهم استجب وليس هذا اللفظ من القرآن بدليل أنه لم يثبت في المصاحف والدليل على استحباب التأمين ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقال: (آمين) مد بها صوته.
__________
(1) تفسير سورة الفاتحة لفضيلة الأستاذ الشيخ حامد محيسن بمجلة الأزهر السنة 22 العدد 13 ص 885
(2) تفسير سورة الفاتحة لفضيلة الإمام الأكبر المرحوم محمد الخضر حسين بمجلة لواء الإسلام العدد الأول من سنة الأولى ص 10.

الصفحة 25