كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 1)

ثم أتبعت ذلك بالحديث عن القصاص، وعن الوصية، وعن الصيام وحكمته، وعن الدعاء وآدابه، ونهت المسلمين في ختامها عن مقارفة الحرام في شتى صوره وألوانه فقالت:
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ، لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
وفي مطلع الربع الثاني عشر حكت بعض الأسئلة التي كان المسلمون يوجهونها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأجابت عنها بطريقة حكيمة تدعوهم إلى التدبر والاتعاظ، ثم حضت المسلمين على الجهاد في سبيل الله، ونهتهم عن البغي والاعتداء. استمع إلى القرآن وهو يحرض المؤمنين على القتال ويرسم لهم حدوده وآدابه فيقول:
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ، وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ. كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ. فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ.
ثم فصلت السورة الحديث عن الحج، فتحدثت عن جانب من آدابه وأحكامه، وحضت المسلمين على الإكثار من ذكر الله، وأن يتجنبوا التفاخر بالأحساب والأنساب، وأن يرددوا في دعائهم قوله- تعالى-:
رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
وفي الربع الثالث عشر نراها تبين لنا ألوان الناس في هذه الحياة، وأن منهم من يسعى في الإفساد وإهلاك الحرث والنسل، فإذا ما نصح أخذته العزة بالإثم، وتمادى في طغيانه وإفساده، وأن منهم من يبيع نفسه عن طواعية واختيار ابتغاء مرضاة الله.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.
ثم تبين لنا بأن الناس جميعا كانوا أمة واحدة، وأن هذه الحياة مليئة بالمصائب والمحن والفتن، وأن العاقل هو الذي يقابل كل ذلك بإيمان عميق، وصبر جميل، حتى يفوز برضى الله يوم القيامة، ويظفر بنصره في الحياة الدنيا.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ: مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.
ثم تحدثنا السورة الكريمة في الربعين الرابع عشر والخامس عشر حديثا جامعا عن النكاح

الصفحة 33