كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 1)

وما يتعلق به من أحكام، فحدثتنا عن الإيلاء وعن الطلاق. وعن الرضاع، وعن العدة، وعن الخطبة، وعن غير ذلك مما يتعلق بهذا الشأن، ثم ختمت حديثها بهذه الآية الكريمة:
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
ثم عادت السورة في الربع السادس عشر منها إلى الحديث عن الملأ من بنى إسرائيل:
.. قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ: ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
فساقت لنا قصتهم بأسلوب زاخر بالعظات والعبر، التي من أهمها أن الدين هو أساس العزة والمنعة، وأن الشدائد من شأنها أن تصهر النفوس فتجعلها تتجه إلى معالى الأمور، وأن الأمير يجب أن يكون له من قوة العقل وقوة الجسم وسعة العلم، وكمال التجربة- ما يقود به أمته إلى صالح الأمور، وأن العاقل هو الذي يسلك الوسائل السليمة لبلوغ غايته الشريفة، ثم يفوض الأمور بعد ذلك إلى الله.
وفي الربع السابع عشر منها أفاضت في الحديث عن مظاهر قدرة الله ووحدانيته، وأقامت على ذلك من الأدلة ما يشفى الصدور، ويطمئن القلوب، ويزيد المؤمنين إيمانا، استمع إلى آية الكرسي وهي تصور عظمة الله وقدرته فنقول.
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ، لَهُ ما فِي السَّماواتِ، وَما فِي الْأَرْضِ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
وبعد هذا الحديث عن مظاهر قدرة الله ساقت السورة في أواخرها أنماطا من التوجيهات التي تسعد المجتمع، وتنزع الأحقاد من قلوب الأفراد، فقد حضت المسلمين في جملة من آياتها على الإنفاق والإحسان، وضربت لذلك أروع الأمثال ونهتهم عن المن والأذى، وصرحت بأن الكلمة الطيبة للسائل خير من العطاء الذي تتبعه الإساءة.
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ.
ثم بعد أن عقدت مقارنه مؤثرة بين من ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله، وبين من ينفقونها رئاء الناس، بعد كل ذلك مدحت الفقراء الذين يتعففون عن السؤال، ولا يلجئون إليه إلا عند الضرورة القصوى فقالت:
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ، وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ. لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً، وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ.

الصفحة 34