كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 1)

وأما إرباؤها في الآخرة فقد روى مسلّم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله- تعالى- يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيربيها كما يربى أحدكم مهره، أو فلوه حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد» «1» .
ففي هذه الجملة الكريمة بشارة عظيمة للمتصدقين، وتهديد شديد للمرابين ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ.
وكَفَّارٍ فعيل بمعنى فاعل فهي صيغة مبالغة من آثم، والأثيم هو المكثر من ارتكاب الآثام المبطئ عن فعل الخيرات.
أى: أن الله- تعالى- لا يرضى عن كل من كان شأنه الستر لنعمه والجحود لها، والتمادي في ارتكاب المنكرات، والابتعاد عن فعل الخيرات.
وقد جمع- سبحانه- بين الوصفين للإشارة إلى أن إيمان المرابين ناقص إن لم يستحلوه وهم كفار إن استحلوه، وهم في الحالتين آثمون معاقبون، يعيدون عن محبة الله ورضاه. وسيعاقب- سبحانه- الناقصين في إيمانهم، والكافرين به بما يستحقون من عقوبات.
فالجملة الكريمة تهديد شديد لمن استحلوا الربا، أو فعلوه مع عدم استحلالهم له.
وبعد هذا التهديد الشديد للمتعاملين بالربا، ساق- سبحانه- آية فيها أحسن البشارات للمؤمنين الصادقين فقال- تعالى-:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أى إيمانا كاملا بكل ما أمر الله به وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أى الأعمال الصالحة التي تصلح بها نفوسهم والتي من جملتها الإحسان إلى المحتاجين، والابتعاد عن الربا والمرابين وَأَقامُوا الصَّلاةَ بالطريقة التي أمر الله بها، بأن يؤدوها في أوقاتها بخشوع واطمئنان وَآتَوُا الزَّكاةَ أى أعطوها لمستحقيها بإخلاص وطيب نفس.
هؤلاء الذين اتصفوا بكل هذه الصفات الفاضلة لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أى لهم ثوابهم الكامل عند خالقهم ورازقهم ومربيهم.
وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يوم الفزع الأكبر وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ لأى سبب من الأسباب، لأن ما هم فيه من أمان واطمئنان ورضوان من الله- تعالى- يجعلهم في فرح دائم، وفي سرور مقيم.
ثم ينتقل القرآن إلى أسلوب الخطاب المباشر للمؤمنين فيأمرهم بتقوى الله، وينهاهم عن التعامل بالربا فيقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ أى اخشوه وصونوا أنفسكم عن الأعمال
__________
(1) تفسير الفخر الرازي ج 7 ص 102.

الصفحة 638