كتاب تحرير تقريب التهذيب (اسم الجزء: 1)

تبعًا لذلك ما هو أقرب إلى الصواب منها. وبذلك تكشفت لنا أمور كثيرة كانت خافية علينا من قبل، وأدركنا ما في "التقريب" من قصور شديد في غير ما قضية يُستغرب وقوعُها من عالم طبقت شُهْرَتُه الخافِقَيْن، ولَهِجَ بالثناء عليه أهلُ عصره ومن أتى بعدهم، وأذعنوا لِعلمه وفضله.
وكنا نتعجَّبُ من صنيع أهل العلم من قبلنا، كيف أهملوا الكلامَ عليه، ولم يتعقبوه بشيء، ويغلب على ظننا أن مرد ذلك إلى سببين رئيسيين:
أولهما: أن مؤلِّفَه نال شُهْرَة واسعَةً في هذا الفن بحيث لم يعد أحدٌ يُفكر أن يُناقش أقواله أو يبحث فيها.
وثانيهما: اكتفاء بما فيه طلبًا للدعة والراحة، وعدم النظر في الكتب التي أُلفت في هذا العلم العظيم، والمقابلة بين ما انتهى إليه الحافظ في كتابه هذا من أحكام على هؤلاء الرواة، وبين ما جاء في تلك الأصول
¬__________
= "التقريب"، وهؤلاء أئمة متأخرون، جمعوا ما عند سابقيهم باستيفاء، ولم يأت بعد من يدانيهم، وبهم ختمت مرحلة تجميع الأقوال في الرجال، فلا جديد بعدئذ" (انظر مقدمة طبعته من "التقريب" 36).
وفي هذا القول مبالغة ظاهرة، فتعليقاتنا على "تهذيب الكمال" والزيادات التي ألحقناها به تدل على غير ذلك، وهو أمر طبيعي في رأينا، نظرًا لسهولة الحصول على الكتب الخطية في عصرنا بطريقة التصوير، وظهور الطباعة الحديثة التي وفرت كثيرًا من الأصول، فضلًا عن عناية كثير من الناشرين والمحققين بالفهارس الفنية التي تعين على تجميع هذه الأقوال، إلى غير ذلك من التسهيلات التي وفرها العلم في عصرنا، وهو أمر لم يكن متاحًا لعلماء ذلك العصر. وأيضًا فإن القول بأن "التقريب" هو خلاصة جهود الحفاظ - فيه نظر، لأن الأحكام التي انتهى اليها الحافظ ابن حجر هي من اجتهاداته وفهمه لكلام الأئمة الذين تقدموه في هذا الفن.

الصفحة 16