كتاب تحرير تقريب التهذيب (اسم الجزء: 1)

محدث والحُكم عليه من خِلال دراستها، ويَتَبَدَّى ذلك في الأحكام التي أصدرها علي بن المديني، ويحيى بن معين، وأحمدُ بن حنبل، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وأضرابهم.
غير أنه لا يُخالجنا شَكٌّ أن بعض العلماء المتقدمين قد تكلموا في الرجال جرحًا أو تعديلًا لمعاصرتهم لهم أو اجتماعهم بهم، مثل مالك بن أنس، والسفيانين، وشعبة بن الحجاج، وحماد بن زيد، والأوزاعي، ووكيع بن الجراح، وأن الطبقة التي تلت هؤلاء تكلموا في الرواة الذين أخذوا عنهمم، واتصلوا بهم، لكن كيف نُفسر كلامَ كبار علماء الجرح والتعديل ممن عاشوا في المئة الثالثة في رواة لم يلحقوهم من التابعين ومن بعدهم، ولم يُؤثر للمتقدمين فيهمُ جرحٌ أو تعديل، فندعي أنهم اعتمدوا أقوال من سبقهم في الحكم عليهم؛ بيان ذلك في الأمثلة الآتية الموضحة:
قال ابنُ أبي حاتم في ترجمة أحمد بن إبراهيم الحلبي: "سألت أبي عنه، وعرضتُ عليه حديثَه، فقال: لا أعرِفُه، وأحاديثُه باطلة موضوعة كُلُّها ليس لها أصولٌ، يَدُل حديثُه على أنه كذاب" (¬1).
وقال في ترجمة أحمد بن المنذر بن الجارود القزاز: "سألتُ أبي عنه، فقال: لا أعرِفُه، وعرضتُ عليه حديثَه، فقال: حديث صحيح" (¬2).
وقال أبو عبيد الآجري في مسلمة بنِ محمد الثقفي البصري: "سألتُ أبا داود عنه، قلتُ: قال يحيى (يعني ابن معين): ليس بشيء؟
¬__________
(¬1) "الجرح والتعديل": 2/ الترجمة 5.
(¬2) نفسه: 2/ الترجمة 170.

الصفحة 19