كتاب تحرير تقريب التهذيب (اسم الجزء: 1)

وكان كثيرٌ من جهابذة الجرح والتعديل يوثِّقُ الراوي مع ذكر بدعته إشارةً منه إلى أن بدعته تلك لا تُؤثِّرُ في وثاقته وصحة روايته، فقد سُئِلَ يحيى بن معين عن سعيد بن خُثَيم الكوفي، فقال: كوفيٌّ ليس به بأس، ثقة. فقيل ليحيى: شيعي؟ فقال: وشيعي ثقة، وقدري ثقة (¬1). وقال في الحارث بن حَصيرة الأزدي أبي النعمان الكوفي: خَشَبِيٌّ ثقة، وقال أبو داود: شيعي صدوق. والحارث هذا قال فيه ابن عدي: وهو أحدُ من يُعد من المحترقين بالكوفة في التشيع (¬2)! وكان عبَّادُ بن يعقوب الرواجني الكوفي شيعيًا جَلْدًا، ومع ذلك فقد كان ابنُ خزيمة يقول: "حدثنا الثقةُ في روايته، المتهمُ في دينه عبَّادُ بن يعقوب! "، ووثقه أبو حاتم الرازي، وقال الدارقطني: شيعي صدوق (¬3). وكان يعقوبُ هذا كما قال ابن عدي: فيه غلو في التشيع (¬4).
ومن الأمثلة القوية على عدم اعتبار السلف المتقدمين للعقائد في توثيق الرواة هو عبدُ الرحمن بن صالح الأزدي العتكي، فقد ذُكر عنه أنه كان يروي أحاديثَ سوء في مثالب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه، وهو شيعي محترق كما قال ابن عدي، ومع كل ذلك فقد قيل لأحمد: إنه رافضي، فقال أحمد: سُبحان الله، رَجُلٌ أحَبَّ قومًا من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - نقول له: لا تحبهم؟ هو ثقة. وقال ابن معين: ثقة صدوق شيعي، لأن يَخِرَّ من السماء أحبُّ إليه من أن يَكْذِبَ في نصف حرف. وقال
¬__________
(¬1) "سؤالات ابن الجنيد": الورقة 41، و"تهذيب الكمال" 10/ 414.
(¬2) انظر تفاصيل ذلك في "تهذيب الكمال": 5/ 224 - 226.
(¬3) "تهذيب الكمال": 14/ 177 - 178.
(¬4) وأخرج له البخاري في الصحيح مقرونًا بغيره.

الصفحة 37