كتاب تحرير تقريب التهذيب (اسم الجزء: 1)

ومع أنَّه كان عظيمَ الحظ من الدُّنيا، له مِن المالِ والجاه والرِّياسة النصيبُ الأوفى، لم تُتْرِفه النِّعمةُ، ولم يُؤْثِرْ في عَمَلِه العاجِل وَيذَرِ الأجل، فركب جُدَّةً من الأمر، وحَصَّنَ نفسه بالعِلْمِ حتى بلغَ فيه الغاية، فكان تِقْنًا من الأتقان في حديثِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَرُسَ به، وضَرَبَ آباطَ أُموره ومغابنَها، واستتفَّ ضمائِرَها وبواطِنَها، ولو لم يكن لَهُ إلا "فتح الباري"، لكَفاه رِفعةً في المَنْزِلة، بَلْهَ مؤلفاته النَّافِعَة الأُخرى البليغة الكثرة ذوات الفوائد والعوائد، وعنايَتَه البالغة بكتاب "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لحافظ عمره جمالِ الدين أبي الحجَّاج يُوسُف المزِّي (654 - 742 هـ) الذي يُعَدُّ أنفسَ كتابٍ أُلِّف في رجالِ الكتب الستة: البخاري ومسلم والتِّرمذي وأبي داود وابنِ ماجةَ والنَّسائي، ورجالِ مؤلفاتهم الأُخَر بحيث: "كسَفَ به الكُتُبَ المتقدمة في هذا الشأن" (¬1)، وأجمعَ العُلماء على أنَه لم يُصَنَّفْ مِثْلُه (¬2)؛ "لأنَّ مؤلفَه أبدعَ فيما وضعَ، ونَهجَ للناس منهجًا لم يُشْرَع" (¬3)، فجاء الحافظ ابن حجر، فاختصره في كتابه النافع "تهذيب التهذيب"، ثم اختصرَ منه كتابَه "تقريب التهذيب"، وهما مطبوعانِ مشهوران، يتداولُهما النَّاسُ، ويعتمدونهما في معرفة أحوالِ الرجال.
وقد سبق الحافظَ ابنَ حجر في العناية بتهذيب الكمال عددٌ مِن العلماء الأعلام الذين تناولُوا هذا الكتابَ النفيسَ بالاختصار أو الاستدراكِ أو التعقيبِ.
منهم: جمال الدين رافع السّلّامي (668 - 718 هـ) صاحب "الكنى
¬__________
(¬1) الصفدي: "أعيان العصر": 12/ الورقة 125.
(¬2) السبكي: "الطبقات": 10/ 401.
(¬3) مغلطاي: "إكمال تهذيب الكمال": 1/ الورقة 2 (نسخة الأزهر).

الصفحة 8