كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 1)

وَقَدْ نُسِبَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ إِلَى مَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ بِقَوْلِهِ فِي الْإِيضَاحِ حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُهَا عَلَى {جَعَلْنَا} مَعَ وَصْفِهَا بِقَوْلِهِ: {ابْتَدَعُوهَا} لِأَنَّ مَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ لَا يَبْتَدِعُونَهُ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بِالْوَقْفِ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ
وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ الله هو مولاه} وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ {وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} أَيْ مُعِينُونَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً
وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى الْمَعْرِفَةِ بِالْقِرَاءَاتِ فَلِأَنَّهُ إِذَا قَرَأَ {ويقولون حجرا محجورا} بفتح الحاء كان هذا التمام وَإِنْ ضَمَّ الْحَاءَ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ فَالْوَقْفُ عِنْدَ {حُجْرًا} لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَ إِذَا نَزَلَ بالواحد منهم شدة قال حجرا فقيل له مَحْجُورًا أَيْ لَا تُعَاذُونَ كَمَا كُنْتُمْ تُعَاذُونَ فِي الدُّنْيَا حَجَرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَإِذَا قَرَأَ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس} إِلَى قَوْلِهِ: {قِصَاصٌ} فَهُوَ التَّامُّ إِذَا نَصَبَ {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} وَمَنْ رَفَعَ فَالْوَقْفُ عِنْدَ: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وَتَكُونُ {وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ} ابْتِدَاءَ حُكْمٍ في المسلمين وما قبله في التوراة

الصفحة 349