كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

وفيها خمسون ألف دار للعرب من رَبيعة ومُضَر، وأربعة وعشرون ألف دار لسائر العرب، وستة وثلاثون ألف دار لليمن، قيل: مَصَّرَها سعد بن أبي وَقَّاص، وكانت قبل ذلك منزل نُوح عليه السلام، وبنى مسجدها الأعْظم، واختلف في سبب تسميتها، قيل: سميت بذلك لاستدارتها، وقيل: بسبب اجتماع الناس فيها، وقيل: لكونها كانت رملة حمراء أو لاختلاط ترابها بالحصى، ويقال لها: كُوفان -بالضم ويفتح- ويقال لها أيضًا: كوفة الجند لأنها اختطت فيها خطط العرب أيام عُثمان أو أيام عمر، خططها السَّائب بن الأقرع الثَّقَفِيّ، قال الشاعر:
ذَهَبَتْ بِنَا كُوفَانُ مَذْهَبَها ... وعَدِمْتُ عَنْ طُرَفائِها خَيْري
وقال الأخر:
إنَّ الّتي ضَرَبتْ بَيْتًا مُهاجِرةً ... بِكُوفَةِ الجُنْدِ غَالَتْ وُدَّها غولُ
وقيل: سميت بكُوفان، وهو جبيل صغير فسهلوه، واختطوا عليه، أو مشتقة من الكيف وهو القطع لأن أبرويز أقطعه لبَهْرام، أو لأنها قطعة من البلاد، والأصل كُيْفَة فلما سكنت الياء وانضم ما قبلها جعلت واوًا، أو من قولهم: هم في كوفان بالضم ويفتح، وكَوَّفان محركة مشددة الواو في عِزٍّ ومَنَعَة، أو لأن جبل ساتِيذما محيطٌ بها كالكاف، أو لأن سعدًا لما ارتاد هذه المنزلة للمسلمين قال لهم: تَكَوَّفُوا في هذا المكان، أي: اجتمعوا، أو لأنه قال: كَوِّفوا هذه الرملة أي: نَحُّوها، وانزلوا، ولما بَنَى عبيد الله بن زياد مسجد الكوفة صعد المنبر، وقال: يا أهل الكوفة، إني قد بنيت لكم مسجدًا لم يبق على وجه الأرض مثله، وقد أنفقت على كل أسطوانة منه سبع عشرة مئة، ولا يهدِمه إلا باغٍ أو حاسد، والمسافة بينها وبين المدينة نحو عشرين مرحلة، ولا تخلو الحسناء من ذَامٍّ، وقد قال فيها النَّجَاشِي يهجو أهلها:
إذَا سَقى الله قَوْمًا صَوْبَ غاديَةٍ ... فَلَا سَقَى الله أهْلَ الكُوفَةِ المَطَرَا
التَّارِكِين على طُهْرٍ نِسَاءَهُمُ ... والنَّاكِحِينَ بِجَنْبَي دِجلةَ البَقَرا

الصفحة 458