كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

عَيّاش: ولا شُرَيح؟ قال له: تريدني أكذب؟ ما رأيت أعلم من الشَّعبي.
وقال أبو إسحاق الحبّال كان واحد زمانه في فنون العلم. قال ابن أبي حاتم: سُئِل أبي عن الفرائِض التي رواها الشَّعْبي عن علي، فقال: هذا عندي ما قاسه الشعبي على قول علي، ولا أرى علِيًّا يتفرغ لهذا. وقال ابن مَعين: قضى الشَّعبي لعُمر بن عبد العزيز.
وحكى الشعبي قال: أنْفَذَني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم، فلما وصلت إليه جعل لا يسألني عن شيء إلا أجبته فيه، وكانت الرسل لا تطيل الإِقامة عنده، فحبسني أيامًا كثيرة حتى استحْثَثْتُ خُروجي، فلما أردت الانصراف، قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟ فقلت: لا ولكني رجل من العرب في الجملة، فَهَمَسَ بشيء، فدفع إليّ ورقة، وقال: إذا أديت الرسائل إلى صاحبك، فأوصل إليه هذه الرُّقْعة، قال: فأدَّيتُ الرسائَل عند وصولي إلى عبد الملك ونسيت الرقعة، فلما صِرْت في بعض الدار أريد الخروج، تذكرتها، فرجعت فأوصلتها إليه، فلما قرَأهَا، قال لي: أقال لك شيئًا قبل أن يدفعَها إليك؟ قلت: نعم، قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟ قلت: لا ولكني رجلٌ من العرب في الجملة، ثم خرجتُ من عنده، فلما بلغتُ الباب رُدِدْت، فلما مَثُلْتُ بين يديه، قال لي: أتدري ما في الرقعة؟ قلت: لا. قال: اقرأها، فقرأتها، فإذا فيها: عَجِبْتُ من قومٍ فيهم مثلُ هذا كيف يُوَلّون غيره؟ فقلت: والله لو علمت ما فيها ما حملتُها، وإنما قال هذا لأنه لم يَرَك. قال: أتدري لم كتبها؟ قلت: لا. قال: حَسَدَني عليك، وأراد أن يُغْرِيَني بقتلك، قال: فَتَأدّى ذلك إلى ملك الروم، فقال: والله ما أردت إلا ما قال.
وكلم الشَّعْبي عَمرو بن هُبَيرة الفَزَاريّ أمير العراق في قوم حَبَسَهم ليُطلقهم، فأبى، فقال له: أيها الأمير، إن حبستهم بالباطل فالحق يخرجهم، وإن حَبَسْتهم بالحق فالعفوُ يَسَعُهم، فأطلقهم، وكان كثيرًا ما يَتَمَثَّلُ بقول سُكَيْن الدّارِميّ:

الصفحة 461