كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

أحد العبادلة الأربعة كما مر في ترجمة ابن عباس.
قال ابن عبد البرّ: أسلم قبل أبيه، وكان فاضلًا حافظًا عالمًا، قرأ الكتاب، واستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يكتُبَ حديثه، فأذِن له، قال له: يا رسول الله أأكتب كل ما أسمع منك في الرِّضا والغَضَب؟ قال: نعم، فإني لا أقول إلَّا حَقًّا.
قال أبو هُريرة: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني إلا عبد الله بن عَمْرو، فإنه كان يعي بقلبه وأعي بقلبي، وكان يكتُب وأنا لا أكتُب، استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فأذن له.
وأخرج البَغَوِيّ عن عبد الله بن عَمرو أنه قال: رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى يدي عَسَلًا وفي الأُخرى سمنًا، وأنا ألْعَقُهُمَا، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: تقرأ الكتابين التوراة والقرآن، وكان يقرؤهما.
كان يسرُدُ الصوم، ولا ينام الليل، فشكاه أبوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ لِعَيْنيكَ عليك حقًّا، وإنَّ لأهلك عليك حقًّا، وإن لربك عليك حقًّا، قُم ونَم وصُم وأفطِر، صم ثلاثة أيام من كل شهر، فذلك صيام الدهر" فقال إني أطيق كثر من ذلك، فلم يَزَل يراجِعه في الصيام حتى قال له: "لا صوم أفضل من صيام داوود"، وكان يصوم يومًا ويُفطر يومًا، فوقف عبد الله عند ذلك وتمادى عليه.
وفي "الصحيحين" قصة عبد الله بن عمرو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواظبته هذه، وأمره له بقراءة القرآن في كل ثلاث، وهو مشهور، وفي بعض طرقه أنه لما كبِر كان يقول: يا ليتني كنت قَبِلْتُ رخصة النبي - صلى الله عليه وسلم -، واعتذر رحمه الله من شُهوده صِفِّين وأقسم أنه لم يرم فيها برمح ولا سهم، وأنه إنما شهدها لعَزْمة أبيه في ذلك، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أطع أباك" وروى ابن أبي مُلَيكة عنه أنه كان يقول: مالي ولِصفِّين، مالي ولقتال المسلمين، والله لودِدت أني مُتُّ قبل هذا بعشر سنين، ثم يقول: أما والله ما ضربت فيها بسيف، ولا طَعَنْتُ فيها برُمح، ولا رَمَيْت بسهم، ولودِدْت

الصفحة 464