كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

فلما وقَفَ على هذه الأبيات، قام من مجلس القضاء، فوطِىءَ بساط الرشيد، وقال له: الله الله، ارحم شيبتي، فإني لا أصبر على القضاء، قال: لعل هذا المجنون أغراك، ثم أعفاه، فوجه إليه ابن المبارك بالصُّرّةِ وقيل: إن ابن المُبارك إنما كتب إليه بهذه الأبيات لما وَلِيَ صدقاتِ البصرة، وهو الصحيح.
وقال إبراهيم الحَربِيّ: دخل إسماعيل بن عُليّة على الأمين فروى حديث: "تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غَمامتان تُحاجّان عن صاحِبهما" فقيل له: ألهما لسانان؟ قال: نعم، فكيف تكلم، فشَنّعوا عليه أن يقول: القرآن مخلوق، وهو لم يقله، وإنما غلط. فقال للأمين: أنا تائب لله.
وقال علي بن خَشْرم: قلت لوكيع: رأيت ابن عُلَيَّة يشرب النبيذ حتى يُحْمَل على الحمار، يحتاج من يرده، فقال وكيع: إذا رأيت البَصْري يشرب النبيذ فاتَّهِمْه، وإذا رأيت الكوفي يشربه فلا تتهمه، قلت: وكيف ذلك؟ قال: الكوفي يشربه تدينًا، والبصري يتركه تدينًا. وقال المفضل بن زِياد: سألت أحمد بن حَنْبَل عن وُهيْب وابن عُليّة، قال: وُهَيب أحب إلي، وما زال ابن عُليّة وضيعًا من الكلام الذي تكلم به إلى أن مات.
قلت: أليس قد رَجَعَ وتاب على رؤوس الناس؟ قال: بلى إلى أن قال: وكان لا ينصف بحديث بالشفاعات.
وكان منصور بن سلمة الخُزَاعيّ يحدث مرة فسبقه لسانه، فقال: حدثنا إسماعيل بن عُليّة، ثم قال: لا, ولا كرامة، بل أردت زُهيرًا، ثم قال: ليس من قارف الذَّنْبَ كمن لم يُقَارِفْه، أنا والله اسْتَتَبْتُ ابن عُليّة.
قال الذَّهَبيّ: هذا من الجرح المردود، وقال عبد الصمد بن يزيد مَرْدوَيه: سمعت ابن عُليّة، يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، وذكره ابن حبان في "الثقات".
وعلية أمه وكانت امرأة عاقلة نبيلة، وكان صالح المِزِّي وغيره من وجوه أهل البصرة وفقهائها يدخلون عليها، فَتَبْرُزُ لهم، وتحادثهم، وتسألهم،

الصفحة 514