كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

له" وذهب بعض العلماء إلى الوقف لحديث أبي هُريرة: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا" أخرجه الحاكم في "المستدرك" والبزار من رواية مَعْمر، وهو صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن مَعْمر، وقال الدَّارقُطنيّ: إن عبد الرزاق تفرد بوصله عن مَعمر.
قال في "الفتح" وصله آدم بن أبي إياس عن مَعمر فهو صحيح، وعلى ذلك يُجمع بينه وبين حديث الباب وما معه، بأن حديث أبي هُريرة ورد أولًا قبل أن يُعَلِّمَهُ الله، ثم أعلمه، وما عورض به هذا الجمع من تأخر إسلام أبي هُريرة وتقدم حديث الباب إذ كان ليلة العقبة الأولى، مردود بما حرره في "الفتح" من أن حديث أبي هُريرة سابق على حديث الباب، وأن المبايعة المذكورة لم تكن ليلة العقبة، وإنما هي بعد فتح مكة، وآية الممتحنة كما هو مصرح به في الأحاديث، فقد أخرج البخاري في كتاب الحدود عن الزُّهري في حديث عُبادة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لما بايَعَهم قرأ الآية كلها، وعنده في تفسير الممتحنة من هذا الوجه قال: قرأ النساء، ولمسلم عن الزهري قال: فتلا علينا آية النساء، قال: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] وللنسائي عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا تبايعوني على ما بايع عليه النساء، أن لا تشركوا بالله شيئًا الحديث. وللطَّبراني عن الزُّهري بهذا السند أيضًا: "بايَعَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما بايَعَ عليه النساء يَوْم فتح مكة" ولمسلم عن عُبادة في هذا الحديث "أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخذ على النساء" فهذه أدلة ظاهرة في أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية، وبعد فتح مكة، وبعد صُدور بيعة النساء، وذلك بعد إسلام أبي هُريرة بمدة، ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي خَيْثمة في "تاريخه" عن أيوب، عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "أُبَايِعُكُم على أن لا تُشركوا بالله شيئًا" فذكر نحو حديث عُبادة، ورجاله ثقات، وقد قال إسحاق بن رَاهَوية: إذا صح الإِسناد إلى عمرو بن شعيب

الصفحة 541