كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)

رَبِّي حَائِطِي هَذَا، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُذَلَّلٍ لأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الجَنَّةِ «1» .
واستدعاء القَرْض في هذه الآية وغيرها إنما هو تأنيسٌ وتقريبٌ للأفهام، واللَّه هو الغنيُّ الحميدُ.
قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه» «2» وكَنَى اللَّه عزَّ وجلَّ عن الفقيرِ بنَفْسه العليَّة ترغيباً في الصَّدَقة كما كنى عن المريضِ، والجائِعِ، والعاطشِ بنفسه المقدَّسة فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ، فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ، وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ، فلم تعده، أما علمت أنّك لوعدتّه، لَوَجَدتَّنِي عِنْدَهُ، يَا ابْنَ آدَمَ، استطعمتك، فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أُطْعِمُكَ، وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟! قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ استطعمك عَبْدِي فُلاَنٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ، لَوَجَدتَّ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ، استسقيتك، فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ، وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟! قَالَ: استسقاك عَبْدِي فُلاَنٌ، فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَه، وَجَدتَّ ذَلِكَ عِنْدِي» . انتهى، واللفظ لصحيح مسلم «3» ، قال ابنُ العَرَبِيِّ «4» : وهذا كلُّه خرَجَ مَخْرَجَ التشريفِ لمَنْ كُنِيَ عنه، وترغيباً لمن خوطب انتهى.
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 97- 98) ، وعنه الطبري (5618) ، عن معمر عن زيد بن أسلم قال: لمَّا نزلَتْ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً، قال: جاء أبو الدحداح ...
وقال الشيخ شاكر: هذا حديث مرسل فهو ضعيف الإسناد لأن زيد بن أسلم تابعي، ولم يذكر من حدثه من الصحابة.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (5620) ، وأبو يعلى (4986) ، عن خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال: لمَّا نزلَتْ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً، قال أبو الدحداح: ... » ، فذكره بنحوه.
وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 554- 555) ، وزاد فعزاه لسعيد بن منصور، وابن سعد، والبزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» ، والطبراني، والبيهقي في «الشعب» .
ولم يعزه لأبي يعلى.
وقال الشيخ شاكر: هذا إسناد ضعيف جدا ... فالبلاء في هذه الرواية من حميد الأعرج.
(2) ينظر «أحكام القرآن» (1/ 230) .
(3) أخرجه مسلم (4/ 1990) في البر والصلة: باب فضل عيادة المريض (43/ 2569) ، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله (عز وجل) يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني.....» فذكره.
(4) ينظر: «أحكام القرآن» (1/ 230) .

الصفحة 486