كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 1)
وقوله تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ ... الآية: يقال: نَذَرَ الرَّجُلُ كَذَا، إِذا التزم فعله.
وقوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ. قال مجاهدٌ: معناه: يُحْصِيه، وفي الآيةِ وعْدٌ ووعيدٌ، أي: مَنْ كان خالص النيَّة، فهو مثابٌ، ومن أنْفَقَ رياءً أو لمعنًى آخَرَ ممَّا يكْشفه المَنُّ والأذى، ونحو ذلك، فهو ظالمٌ يذهب فعْلُه باطلاً، ولا يجد ناصراً فيه.
وقوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ... الآية: ذهب جمهورُ المفسِّرين إِلى أنَّ هذه الآيةَ في صدَقَةِ التطوُّع، قال ابن عبَّاس: جعل اللَّه صدَقَةَ السِّرِّ في التطوُّع تفضُلُ علانيتها، يقال: بسبعين ضِعْفاً، وجعل صدَقَةَ الفريضَةِ علانيتَهَا أفْضَلَ من سرِّها، يقال: بخَمْسَةٍ وعشْرين ضِعْفاً، قال: وكذلك جميعُ الفرائضِ والنوافلِ في الأشياء كلِّها «1» .
ع «2» : ويقوِّي ذلك قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهِ فِي المَسْجِدِ إِلاَّ المَكْتُوبَة» «3» ، وذلك أن الفرائضَ لا يدْخُلُها رياءٌ، والنوافل عُرْضَةٌ لذلك، قال الطبريُّ «4» : أجمعَ النَّاس على أن إِظهار الواجِبِ أفضلُ.
وقوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ: ثناءٌ على إِبداء الصدقةِ، ثم حكم أنَّ الإِخفاء خيْرٌ من ذلك الإِبداءِ، والتقديرُ: نِعْمَ شيءٌ إِبداؤها، فالإبداء هو المخصوص بالمدح/ وخرّج أبو 71 أداود في «سننه» ، عن أبي أُمَامَةَ، قال: قَالَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم: «انطلق بِرَجُلٍ إلى بَابِ الجَنَّةِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا على بَابِ الجَنَّةِ مَكْتُوبٌ: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالقَرْضُ الوَاحِدُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ لأنَّ صاحب القرضِ لا يأتيك إِلاَّ وهو محتاجٌ، والصدقةُ ربما وُضِعَتْ في غنيٍّ، وخرَّجه ابن ماجة في «سننه» ، قال: حدَّثنا عُبَيْدُ اللَّه بن عبد الكريمِ، حدَّثنا هشام بْنُ خالدٍ «5» ، حدَّثنا خالدُ بن يَزِيدَ بْنِ أبي مالكٍ «6» ، عن أبيه، عن أنس بن مالك، قال: قَالَ رسول
__________
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 93) برقم (6195) ، وذكره الماوردي في «النكت» (1/ 345) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 365) ، وابن كثير في «تفسيره» (1/ 323) .
(2) ذكره ابن عطية (1/ 365) .
(3) تقدم تخريجه.
(4) ذكره الطبري (3/ 93) .
(5) هشام بن خالد الأزرق، أبو مروان الدمشقي. عن الوليد بن مسلم وجماعة. وعنه أبو داود وابن ماجه.
قال أبو حاتم: صدوق. قال عمرو بن دحيم: مات سنة تسع وأربعين ومائتين.
ينظر: «الخلاصة» (3/ 113) .
(6) خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، الهمداني، أبو هاشم الدمشقي، عن أبيه وأبي روق، وعنه-[.....]