كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 1)

وَهمُهُ وصدقُه متساويين في الرُّجحان، أو كان وهمُه راجحاً على صِدقه، وهذا مردودٌ بلا شكٍّ، سواءً كان رافعاً للنسخ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو كان واقفاً له دونَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإنما الكلامُ في مَنْ قوِيَ في الظن، ورجح في العقل أنه صادق في قوله.
فإن قلت: فرقٌ بينَ ما رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبين ما وقفه على نفسه، أو على غيره، وذلك لأن ما رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحتمل أنَّه بناه على الوهم، وإنَّما يحتمل أنَّه كَذَبَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صدق فيه، لكن احتمال الكذب بعيدٌ عن الثقات، أمَّا الوهم فكثير.
قلت: ليس الأمرُ كما توهمتَ، بل قد نصَّ العلماء على جواز الوهم على الراوي في تأديته للفظ الحديث النبوي، والدليل على ذلك وجهان:
أحدُهما: قوله -عليه السلام- في الأحاديث الصحيحة: " مَنْ كذَبَ علَيَّ مُتَعَمِّداً فلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار " (¬1) فقوله " متعمِّداً " يَدُلُّ على أنَّه يجوز على الراوي أن يُخطِىء في النقل، لكِنَّه تجويزٌ بعيدٌ مرجوح، فلم يُعتبر، فلذلك قالت عائشة لمّا سَمِعَت ابنَ عمر يروي حديث: " إنَّ الميِّتَ ليعذَّبُ بِبُكَاءِ أهْلِهِ علَيْهِ " (¬2): ما كذب ولكنَّه وَهم (¬3).
¬__________
(¬1) تقدم كلام المؤلف عليه وانظر التعليق عليه هناك ص 190.
(¬2) أخرجه من حديث ابن عمر البخاري (1288) و (1289) و (3978) ومسلم (928) (930) وانظر " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة " ص 77، وشرح السنة 5/ 441 - 242، وتلخيص الحبير 2/ 141. و" فتح الباري " 3/ 150.
(¬3) في (أ) و (ج) فوق كلمة " وهم " ما نصه: وَهِل خ، أي: نسخة، وهي كذلك عند مسلم (932) والنسائي 4/ 17، وأبي داود (3129). وهما بمعنى يقال: وهِمَ وَوَهِلَ، أي غَلِطَ.
وفي " الموطأ " 1/ 224 ومسلم (931) " يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ ".

الصفحة 428