كتاب أطراف الغرائب والأفراد (اسم الجزء: 1)

[سِتّ] وَثَمَانِينَ وَقد قعدت للإملاء فَكثر الدُّعَاء والبكاء ثمَّ أمليت عَنهُ حَدِيثا وَذكرت بعده تَارِيخ وَفَاته من خطّ أبي عبد الرَّحْمَن ثمَّ شهِدت مَا يُفِيد أَنه لم يخلف على أَدِيم الأَرْض مثله فِي معرفَة حَدِيث رَسُول رب الْعَالمين صلوَات الله عَلَيْهِ وعَلى آله أَجْمَعِينَ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث أَصْحَابه المنتخبين وَالْأَئِمَّة من التَّابِعين وَاتِّبَاع التَّابِعين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ. قَالَ الْحَاكِم: حَدثنَا عَليّ بن عمر الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز قَالَ حَدثنَا عَليّ بن الْجَعْد قَالَ أخبرنَا شُعْبَة وَقيس عَن 6 / أحبيب بن أبي ثَابت عَن مَيْمُون بن أبي شبيب عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَن النَّبِي / قَالَ: ((من حدث عني حَدِيثا وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَذَّابين)) .
فَسمِعت أَبَا الْحسن يَقُول: أخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن شُعْبَة وَقيس.
فَظَاهر هَذَا الْخَبَر يدل على أَن كل من روى عَن النَّبِي حَدِيثا هُوَ شَاك فِيهِ أصحيح هُوَ أَو غير صَحِيح يكون كَأحد الْكَاذِبين إِذا لم يقل وَهُوَ يستيقن أَنه كذب والتحرز.
وَمن مثل ذَلِك كَانَ الْخُلَفَاء الراشدون المهديون وَالصَّحَابَة المنتجبون رَضِي الله عَنْهُم يَتَّقُونَ كَثْرَة الحَدِيث عَن رَسُول اللهِ ويتشددون فِي ذَلِك مِنْهُم أَبُو بكر. وَعمر. وَعُثْمَان وَعلي. وَطَلْحَة. وَالزُّبَيْر. وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف. وَسعد بن أبي وَقاص. وَعبد الله بن مَسْعُود. والمقداد بن الْأسود وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وثوبان مولى رَسُول الله وَزيد بن أَرقم وَأنس بن مَالك وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأَبُو هُرَيْرَة وَعبد الله بن عمر. وَعبد الله بن عَبَّاس. وَأَبُو الدَّرْدَاء. وَأَبُو قَتَادَة. وقرظة بن كَعْب. وَغَيرهم. وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر يطالبان من روى لَهما حَدِيثا عَن رَسُول الله لم يسمعاه مِنْهُ بِإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ ويتواعدانه فِي ذَلِك.
وَكَانَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يسْتَحْلف عَلَيْهِ.
وَكَانَ عبد الله بن مَسْعُود يتَغَيَّر عِنْد ذكر الحَدِيث عَن رَسُول الله / وتنتفخ أوداجه ويسيل عرقه وتدمع عَيناهُ وَيَقُول: أَو قَرِيبا من ذَلِك. أَو نَحْو ذَا أَو شبه هَذَا. كُله خوف من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان أَو السَّهْو وَالنِّسْيَان واحتياطاً للدّين وحفظاً للشريعة وحسماً لطمع طامع أَو زيغ زائغ أَن يجترئ فيحكى عَن رَسُول الله مالم يقلهُ أَو يدْخل فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ وليقتدي بهم من يسمع مِنْهُم وَيَأْخُذ عَنْهُم فيقفوا أَثَرهم ويسلك طريقهم فاتبعهم على ذَلِك جمَاعَة من صالحي التَّابِعين فاقتفوا آثَارهم وَاتبعُوا طريقتهم فِي الذب عَن السّنَن والبحث عَن رواتها والتوقي فِي أَدَائِهَا مِنْهُم:

الصفحة 48