كتاب نشر البنود على مراقي السعود (اسم الجزء: 1)

بالأثقل نسخ الحبس في البيوت بالجلد والرجم ووافق الظاهرية بعض المعتزلة في المنع محتجين بقوله تعالى: ((نأت بخير منها أو مثلها)) وبقوله ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)). وأجيب عن الأول بأن الأثقل قد يكون أفضل بكثرة الثواب وإصلاحه لأخلاقه ومعاده ومعاشه وعن الثاني بحمله على اليسر في الآخرة ولا خلاف في جواز النسخ بالأخف والمساوي.
(وقد يجيء عاريا من البدل)
يعني أن النسخ يجوز بلا بدل أصلا عند الجمهور خلافا لبعض المعتزلة في الجواز وللشافعي في الوقوع، حجة المعتزلة عدم المصلحة فيه وأجيب بأنها الراحة من التكليف مثال وقوعه نسخ وجوب تقديم الصدقة على مناجاة الرسول إذ لا بدل لوجوبه فيرجع الأمر إلى ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام من تحريم الفعل أن كان مضرة وأباحته إن كان منفعة وأجيب من جهة المانع بعدم تسليم أنه لا بدل للوجوب بل بدله الجواز الصادق هنا بالإباحة والاستحباب فالقائل بالوقوع معترف بأن الأمر في نسخ الوجوب يرجع إلى مقتضى الدليل العام وأن ذلك المقتضى ليس من البدل المراد هنا وإلا كان مناقضا لقوله بالوقوع. والشافعي القائل أن النسخ لا يقع إلا ببدل لا يكفي عنده ما هو مقتضى الدليل العام بل لابد عنده أن يكون البدل مستفادا من النسخ نصا أو اقتضاء: ((إذا ناجيتم الرسول)) من قبيل الاقتضاء فإن قضية رفع الوجوب بقاء الجواز أي عدم الحرج الصادق بالإباحة والاستحباب بخلاف ما دل عليه الدليل العام فليس مفادا من النسخ لا نصا ولا اقتضاء بل هو أمر منفصل عنه البتة قاله في الآيات البينات.
حاصلة أن النسخ لم يعد البدل نصا أو اقتضاء كما تقرر يكون محل الخلاف حتى يكون ممتنعا عند المعتزلة وأن ثبت حكم آخر بمقتضى الدليل العام لكن ما نقل السبكي في شرح المنهاج عن القاضي حيث قال واستدل القاضي في مختصر التقريب على تجويز نسخ الشيء لا إلى بدل بأنا نجوز ارتفاع التكليف عن المخاطبين جملة فلا نجوز

الصفحة 292