كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (اسم الجزء: 1)

[فَصْلٌ في مسابقته عليه السلام ومصارعته]
فَصْلٌ
وَسَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَصَارَعَ
وَخَصَفَ نَعْلَهُ بِيَدِهِ وَرَقَّعَ ثَوْبَهُ بِيَدِهِ، وَرَقَّعَ دَلْوَهُ وَحَلَبَ شَاتَهُ وَفَلَّى ثَوْبَهُ وَخَدَمَ أَهْلَهُ وَنَفْسَهُ، وَحَمَلَ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَرَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنَ الْجُوعِ تَارَةً وَشَبِعَ تَارَةً، وَأَضَافَ وَأُضِيفَ، وَاحْتَجَمَ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ وَعَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، وَاحْتَجَمَ فِي الْأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، وَتَدَاوَى وَكَوَى وَلَمْ يَكْتَوِ، وَرَقَى وَلَمْ يَسْتَرْقِ، وَحَمَى الْمَرِيضَ مِمَّا يُؤْذِيهِ.
وَأُصُولُ الطِّبِّ ثَلَاثَةٌ: الْحِمْيَةُ وَحِفْظُ الصِّحَّةِ وَاسْتِفْرَاغُ الْمَادَّةِ الْمُضِرَّةِ، وَقَدْ جَمَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَلِأُمَّتِهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، فَحَمَى الْمَرِيضَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ خَشْيَةً مِنَ الضَّرَرِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] [النِّسَاءِ: 43 وَالْمَائِدَةِ: 6] فَأَبَاحَ التَّيَمُّمَ لِلْمَرِيضِ حِمْيَةً لَهُ، كَمَا أَبَاحَهُ لِلْعَادِمِ، وَقَالَ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] [الْبَقَرَةِ: 184] فَأَبَاحَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ حِفْظًا لِصِحَّتِهِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى قُوَّتِهِ الصَّوْمُ وَمَشَقَّةُ السَّفَرِ فَيُضْعِفَ الْقُوَّةَ وَالصِّحَّةَ.
وَقَالَ فِي الِاسْتِفْرَاغِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] [الْبَقَرَةِ: 196] فَأَبَاحَ لِلْمَرِيضِ وَمَنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَيَسْتَفْرِغَ الْمَوَادَّ الْفَاسِدَةَ وَالْأَبْخِرَةَ الرَّدِيئَةَ الَّتِي تُوَلِّدَ عَلَيْهِ الْقَمْلَ، كَمَا حَصَلَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَوْ تُوَلِّدَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ قَوَاعِدُ الطِّبِّ

الصفحة 158