كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (اسم الجزء: 1)

وَالثَّامِنُ: بُكَاءُ النِّفَاقِ، وَهُوَ أَنْ تَدْمَعَ الْعَيْنُ وَالْقَلْبُ قَاسٍ، فَيُظْهِرُ صَاحِبُهُ الْخُشُوعَ وَهُوَ مِنْ أَقْسَى النَّاسِ قَلْبًا.
وَالتَّاسِعُ: الْبُكَاءُ الْمُسْتَعَارُ وَالْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ، كَبُكَاءِ النَّائِحَةِ بِالْأُجْرَةِ، فَإِنَّهَا كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: (تَبِيعُ عَبْرَتَهَا وَتَبْكِي شَجْوَ غَيْرِهَا)
وَالْعَاشِرُ: بُكَاءُ الْمُوَافَقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ النَّاسَ يَبْكُونَ لِأَمْرٍ وَرَدَ عَلَيْهِمْ فَيَبْكِي مَعَهُمْ، وَلَا يَدْرِي لِأَيِّ شَيْءٍ يَبْكُونَ، وَلَكِنْ يَرَاهُمْ يَبْكُونَ فَيَبْكِي.
وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ دَمْعًا بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ بُكًى -مَقْصُورٌ - وَمَا كَانَ مَعَهُ صَوْتٌ فَهُوَ بُكَاءٌ - مَمْدُودٌ - عَلَى بِنَاءِ الْأَصْوَاتِ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ
وَمَا كَانَ مِنْهُ مُسْتَدْعًى مُتَكَلَّفًا فَهُوَ التَّبَاكِي، وَهُوَ نَوْعَانِ: مَحْمُودٌ وَمَذْمُومٌ، فَالْمَحْمُودُ أَنْ يُسْتَجْلَبَ لِرِقَّةِ الْقَلْبِ وَلِخَشْيَةِ اللَّهِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ. وَالْمَذْمُومُ أَنْ يُجْتَلَبَ لِأَجْلِ الْخَلْقِ، وَقَدْ ( «قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَآهُ يَبْكِي هُوَ وأبو بكر فِي شَأْنِ أُسَارَى بَدْرٍ: أَخْبِرْنِي مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ) وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفُ: ابْكُوا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا.

الصفحة 178