كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (اسم الجزء: 1)
رَاحَ الْقَطِينُ بِهَجْرٍ بَعْدَ مَا ابْتَكَرُوا ... فَمَا تُوَاصِلُهُ سَلْمَى وَمَا تَذَرُ.
فَقَرَنَ الْهَجْرَ بِالِابْتِكَارِ، وَالرَّوَاحُ عِنْدَهُمُ الذَّهَابُ وَالْمُضِيُّ، يُقَالُ: رَاحَ الْقَوْمُ إِذَا خَفُّوا وَمَرُّوا أَيَّ وَقْتٍ كَانَ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ» ) أَرَادَ بِهِ التَّبْكِيرَ إِلَى جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ الْمُضِيُّ إِلَيْهَا فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا، قَالَ الأزهري: وَسَائِرُ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: هَجَّرَ الرَّجُلُ: إِذَا خَرَجَ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ، وَرَوَى أبو عبيد عَنْ أبي زيد: هَجَّرَ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ بِالْهَاجِرَةِ. قَالَ: وَهِيَ نِصْفُ النَّهَارِ.
ثُمَّ قَالَ الأزهري: أَنْشَدَنِي المنذري فِيمَا رَوَى لثعلب عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ فِي " نَوَادِرِهِ " قَالَ: قَالَ جعثنة بن جواس الربعي فِي نَاقَتِهِ:
هَلْ تَذْكُرِينَ قَسَمِي وَنَذْرِي ... أَزْمَانَ أَنْتِ بِعُرُوضِ الْجَفْرِ.
إِذْ أَنْتِ مِضْرَارٌ جَوَادُ الْحُضْرِ
عَلَيَّ إِنْ لَمْ تَنْهَضِي بِوِقْرِي.
بِأَرْبَعِينَ قُدِّرَتْ بِقَدْرِ ... بِالْخَالِدِيِّ لَا بِصَاعِ حَجْرِ.
وَتَصْحَبِي أَيَانِقًا فِي سَفْرِ
يُهَجِّرُونَ بِهَجِيرِ الْفَجْرِ ... ثُمَّتَ تَمْشِي لَيْلَهُمْ فَتَسْرِي
يَطْوُونَ أَعْرَاضَ الْفِجَاجِ الْغُبْرِ.
طَيَّ أَخِي التَّجْرِ بُرُودَ التَّجْرِ.
قَالَ الأزهري: يُهَجِّرُونَ بِهَجِيرِ الْفَجْرِ أَيْ يُبَكِّرُونَ بِوَقْتِ السَّحَرِ.
وَأَمَّا كَوْنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُونُوا يَرُوحُونَ إِلَى الْجُمُعَةِ أَوَّلَ النَّهَارِ فَهَذَا غَايَةُ عَمَلِهِمْ فِي زَمَانِ مالك رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِجْمَاعُ
الصفحة 393