كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (اسم الجزء: 1)
يَتَتَبَّعُ الصَّوْتَ الْحَسَنَ فِي الْمَسَاجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ، عَنْ أبي حنيفة وَأَصْحَابِهِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ بِالْأَلْحَانِ. وَقَالَ محمد بن عبد الحكم: رَأَيْتُ أَبِي، وَالشَّافِعِيَّ، ويوسف بن عمر يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ بِالْأَلْحَانِ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ.
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ - وَاللَّفْظُ لِابْنِ جَرِيرٍ -: الدَّلِيلُ: عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْسِينُ الصَّوْتِ، وَالْغِنَاءُ الْمَعْقُولُ الَّذِي هُوَ تَحْزِينُ الْقَارِئِ سَامِعَ قِرَاءَتِهِ، كَمَا أَنَّ الْغِنَاءَ بِالشِّعْرِ هُوَ الْغِنَاءُ الْمَعْقُولُ الَّذِي يُطْرِبُ سَامِعَهُ -: مَا رَوَى سفيان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أبي سلمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ التَّرَنُّمِ بِالْقُرْآنِ» ) وَمَعْقُولٌ عِنْدَ ذَوِي الْحِجَا، أَنَّ التَّرَنُّمَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالصَّوْتِ إِذَا حَسَّنَهُ الْمُتَرَنِّمُ وَطَرَّبَ بِهِ. وَرُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ( «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» ) قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَبْيَنِ الْبَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا، قَالَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَعْنِي: يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ حُسْنِ الصَّوْتِ وَالْجَهْرِ بِهِ مَعْنًى، وَالْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ التَّغَنِّيَ إِنَّمَا هُوَ الْغِنَاءُ الَّذِي هُوَ حُسْنُ الصَّوْتِ بِالتَّرْجِيعِ، قَالَ الشَّاعِرُ
تَغَنَّ بِالشِّعْرِ إِمَّا كُنْتَ قَائِلَهُ ... إِنَّ الْغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ
قَالَ: وَأَمَّا ادِّعَاءُ الزَّاعِمِ، أَنَّ تَغَنَّيْتَ بِمَعْنَى اسْتَغْنَيْتَ فَاشٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ لِتَصْحِيحِ قَوْلِهِ بِقَوْلِ الأعشى:
وَكُنْتُ امْرَءًا زَمَنًا بِالْعِرَاقِ ... عَفِيفَ الْمُنَاخِ طَوِيلَ التَّغَنْ
الصفحة 468