كتاب تفسير النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل (اسم الجزء: 1)

وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه وتعالى من كونه رباً أي مالكاً للعالمين ومنعماً بالنعم كلها ومالكاً للأمر كله يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به في قوله الحمد للَّهِ دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إيا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر والكاف حرف خطاب عند سيبويه ولا محل له من الإعراب وعند الخليل هو اسم مضمر أضيف إيا إليه لأنه يشبه المظهر لتقدمه على الفعل والفاعل وقال الكوفيون إياك بكمالها اسم وتقديم المفعول لقصد الاختصاص والمعنى نخصك بالعبادة وهي أقصى غاية الخضوع والتذلل ونخصك بطلب المعونة وعدل عن الغيبة إلى الخطاب للالتفات وهو قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طيبة} وقوله {والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سحابا فسقناه} وقول امرئ القيس
تطاول ليلك بالإثمد
ونام الخلي ولم ترقد ... وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد ... وذلك من نبإٍ جاءني
وخبرته عن أبي الأسود
فالتفت في الأبيات الثلاثة حيث لم يقل ليلي وبت وجاءك والعرب يستكثرون منه ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل فى القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه وأملأ لاستلذاذا إصغائه وقد تختص مواقعه بفوائد ولطائف قلما تتضح إلا
الفاتحة (5 _ 7)
للحذاق المهرة والعلماء النحارير وقليل ما هم ومما اختص به هذا الموضع أنه لما ذكر الحقيق بالحمد والثناء

الصفحة 31