كتاب المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها (اسم الجزء: 1)

إلى ما طلب وعفا عن مروان وما كان ليعفو عنه بعد أن ظفِرَ به لولا أن أجارته المرأة. ولو أن عوفاً هو الذي أجاره لسامهُ الحرب أو يُسْلمه.
تجاوزت المرأة مواطن الرعاية إلى ما هو أسمى وأجل. فقد كان حَسب الهارب المطلوب أن يعقد رداءه بطنُب خبائها فيعود آمناً ليس عليه من سبيل. وكذلك كانت ساحتها حرماً آمناً، إليه يفزع الخائفون، وببابه يتدافع العافون، ويهتدي
السارون.
ومن أبدع مظاهر ذلك ما حدّثوا أن سُبيعة ابنة عبد شمس بن عبد مناف كانت زوجاً لمسعود بن مالك الثقفي، فلما عصفت حرب الفجار الأكبر - بين كنانة وقيس - كانت سيادة الأولين لحرب بن أمية ابن أخيها، وقيادة الآخرين لمسعود زوجها. وكان مسعود قد ضرب لها خباء وراء جنده، فدخل عليها فأبصر بالدموع تجول بين خدّيها، فقال: ما يبكيك؟ قالت أبكي لما عسى أن يصيب قومي. فقال لها: من دخل خباءك من قريش فهو آمن، فأخذت تصل به قطعاً حتى يسع الجمع العديد من قومها.
فلما انكشفت قيس وغُلب على أمره مسعود، قال لها ابن أخيها: من تمسك بأطناب خبائك آمن، ومن دار حول خبائك فهو آمن، فلم يبق قيسي إلاَّ اعتصم بها، ودار حول خبائها.
وإني لمفضٍ إليك بحديث عن القوم يملأ قلبك روعة وإيماناً بما كان للمرأة يومذاك من سماحةٍ في الرأي، ووفور في الحرية، وسمو في المنزلة:

الصفحة 30