كتاب جامع المسانيد والسنن (اسم الجزء: 1)
قبلنا شَرْعٌ لنا ما لم ينسخ) كما هو المنصوص في الأصول، وكما تقرر بالمنقول والمعقول (¬1) .
وقال الله تعالى - وهو الذي يفرده بالعبادة الموحدُون -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬2) فتكفل تعالى بحفظ كتابه العزيز، فلهذا لم يُهمل منه كلمةٌ بل حفظه الصحابة رضي الله عنهم من الرسول حرفاً حرفاً فيما يجهر فيه من الصلوات وما يُخفى، ومن خطبه ومواعظه المكررة [مئيناً ألفاً] (¬3) ، فكان منهم من جمعه كله في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنصارى ومهاجري، ومنهم من قرأ أكثره، وأقل من ذلك كُلٌّ بحسبه، فكان منهم من أودعه صدره، ومنهم من ضبطه بكتبه، وقد ورد في حديث: (من كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه) (¬4) خشية أن يذهب شئ من القرآن أو يختلط بغيره بحسب أن ذلك جائز.
ثم لما قاتل الصحابة أهل الردة، وأصحاب مسيلمة، وقُتِلَ منهم نحو الخمسمائة، أشار الفاروق على الصديق بجمع القرآن خشية أن يذهب شئ من القرآن بقتل بعض القراء، فأمر زيد بن ثابت الأنصاري، فتتبع القرآن يجمعه من صدور الرجال، ومن الجريد واللخاف (¬5) ، وألواح الأكتاف (¬6) ، فلم يترك منه آية إلا جمعها، ولا شاذة ولا فاذة إلا ارتجعها، فكان ذلك في صُحفٍ مطهرةٍ، مكرمة معظمة، أيامى الصديق والفاروق. فلما كان عثمان
¬_________
(¬1) في الأصل المخطوط [بالمنقول والمنقول] والصواب ما أثبتناه.
(¬2) آية (9) الحجر.
(¬3) في الأصل كلمة غير واضحة المعنى، ولعلها (مئينا ألفاً) .
(¬4) أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق. باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، عن أبي سعيد الخدري 4/2298 ط الحلبي.
(¬5) اللخاف: هي جمع لخفة، وهي حجارة بيض رقاق النهاية 4/244. مادة (لخف) .
(¬6) الكتف: عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان، كانوا يكتبون عليه. أهـ. النهاية 4/150.
الصفحة 58
684