كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 1)

عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّهُ لَيْسَ فِي عَمَلِ الْقَارِنِ زِيَادَةٌ عَلَى عَمَلِ الْمُفْرَدِ.
فَأَمَّا إِذَا قُلْنَا: يَلْزَمُ الْقَارِنَ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى أَوَّلًا لِلْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسْعَى لِلْحَجِّ، فَإِنَّ عُمْرَتَهُ تَنْقَضِي قَبْلَ التَّعْرِيفِ، وَلَا يَبْقَى إِلَّا فِي إِحْرَامِ الْحَجِّ.
فَعَلَى هَذَا: إِذَا لَمْ يَطُفْ لِلْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَسْعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ - فَإِنَّ عُمْرَتَهُ تَنْتَقِضُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَيَكُونُ مُفْرِدًا وَعَلَيْهِ دَمُ جِنَايَةٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَابْنَ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا. فَعَلَى هَذَا إِذَا رَفَضَ الْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ قَدْ فَسَخَ الْعُمْرَةَ إِلَى الْحَجِّ.
وَأَصْلُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا قَدِمَتْ مَكَّةَ - وَهِيَ مُتَمَتِّعَةٌ - فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُهِلَّ بِالْحَجِّ وَتَتْرُكَ الْعُمْرَةَ.
[فَمَنْ قَالَ بِالْوَجْهِ الثَّانِي قَالَ: أَمَرَهَا بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ] وَأَنْ تَصِيرَ مُفْرِدَةً لِلْحَجِّ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا دَمَ قِرَانٍ، بَلْ ذَبَحَ عَنْهَا يَوْمَ النَّحْرِ دَمَ جُبْرَانٍ؛ لِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءَ تِلْكَ الْعُمْرَةِ الَّتِي رَفَضَتْهَا، قَالُوا: لِأَنَّ فِي حَدِيثِهَا قَالَتْ: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ - وَأَنَا حَائِضٌ - فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ، فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ - بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى - لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» " وَفِي لَفْظٍ:

الصفحة 561