كتاب تنوير الحوالك شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 1)

[21] الَّذِي تفوته صَلَاة الْعَصْر اخْتلف فِي معنى الْفَوات فِي هَذَا الحَدِيث فَقيل هُوَ فِيمَن لم يصلها فِي وَقتهَا الْمُخْتَار وَقيل هُوَ أَن تفوته بغروب الشَّمْس قَالَ الْحَافِظ مغلطاي فِي موطأ بن وهب قَالَ مَالك تَفْسِيرهَا ذهَاب الْوَقْت وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر قد أخرج عبد الرَّزَّاق هَذَا الحَدِيث من طَرِيق بن جريج عَن نَافِع وَزَاد فِي آخِره قلت لنافع حَتَّى تغيب الشَّمْس قَالَ نعم قَالَ وَتَفْسِير الرَّاوِي إِذا كَانَ فَقِيها أولى قلت وَقد ورد مُصَرحًا بِرَفْعِهِ فِيمَا أخرجه بن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن هشيم عَن حجاج عَن نَافِع عَن بن عمر مَرْفُوعا من ترك الْعَصْر حَتَّى تغيب الشَّمْس من غير عذر فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله وَقيل هُوَ تفويتها إِلَى أَن تصفر الشَّمْس وَقد ورد مُفَسرًا من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ وفواتها أَن تدخل الشَّمْس صفرَة أخرجه أَبُو دَاوُد قَالَ الْحَافِظ بن حجر وَلَعَلَّه مَبْنِيّ على مذْهبه فِي خُرُوج وَقت الْعَصْر وَقَالَ مغلطاي فِي علل بن أبي حَاتِم من فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر وفواتها أَن تدخل الشَّمْس صفرَة فَكَأَنَّمَا وتر أهل وَمَاله قَالَ أَبُو حَاتِم التَّفْسِير من قبل نَافِع وَقَالَت طَائِفَة المر اد فَوَاتهَا فِي الْجَمَاعَة لما يفوتهُ من شُهُود الْمَلَائِكَة الليلية والنهارية وَيُؤَيِّدهُ مَا أخرجه بن مَنْدَه بِلَفْظ المأتور أَهله وَمَاله من وتر صَلَاة فِي جمَاعَة وَهِي صَلَاة الْعَصْر وروى عَن سَالم أَنه قَالَ هَذَا فِيمَن فَاتَتْهُ نَاسِيا وَمَشى عَلَيْهِ التِّرْمِذِيّ وَالْمعْنَى أَنه يلْحقهُ من الأسف عِنْد مُعَاينَة الثَّوَاب لمن صلى مَا يلْحق من ذهب أَهله وَمَاله وَقَالَ الداوودي إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَامِد قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر قلت وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة من غر عذز وَاخْتلف أَيْضا فِي تَخْصِيص صَلَاة الْعَصْر بذلك فَقيل نعم لزِيَادَة فَضلهَا وَلِأَنَّهَا الْوُسْطَى وَلِأَنَّهَا تَأتي فِي وَقت تَعب النَّاس من مقاساة أَعْمَالهم وحرصهم على قَضَاء أشغالهم وتسويفهم بهَا إِلَى انْقِضَاء وظائفهم ولاجتماع المتعاقبين من الْمَلَائِكَة فِيهَا وَهَذَا مَا رَجحه الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند وَالنَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ بن الْمِنْبَر الْحق أَن الله يخص مَا يَشَاء من الصَّلَوَات بِمَا شَاءَ من الْفَضِيلَة وَقَالَ بن عبد الْبر يحْتَمل أَن الحَدِيث خرج جَوَابا على سُؤال السَّائِل عَمَّن تفوته الْعَصْر وَأَنه لَو سُئِلَ عَن غَيرهَا لأجابه بِمثل ذَلِك فَيكون حكم سَائِر الصَّلَوَات كَذَلِك خُصُوصا وَقد ورد الحَدِيث من رِوَايَة نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الدئلي بِلَفْظ من فَاتَتْهُ الصَّلَاة وبلفظ من فَاتَتْهُ صَلَاة وَلم يخص الْعَصْر وَقَالَ النَّوَوِيّ فِيمَا قَالَه بن عبد الْبر نظر لِأَن الشَّرْع ورد فِي الْعَصْر وَلم تتَحَقَّق الْعلَّة فِي هَذَا الحكم فَلَا يلْحق بهَا غَيرهَا بِالشَّكِّ وَالوهم وَإِنَّمَا يلْحق غير الْمَنْصُوص بالمنصوص إِذا عرفنَا الْعلَّة واشتركا فِيهَا وَقَالَ الْحَافِظ بن حجر حَدِيث نَوْفَل بن مُعَاوِيَة أرجه بن جبان وَغَيره بِلَفْظ من فَاتَتْهُ الصَّلَاة وَأخرجه عبد الرَّزَّاق بِلَفْظ لِأَن يُوتر أحدكُم أَهله وَمَاله خير لَهُ من أَن تفوته وَقت صَلَاة وَهَذَا ظَاهره العمون لَكِن الْمَحْفُوظ من حَدِيثه صَلَاة الْعَصْر قلت روى النَّسَائِيّ من طَرِيق عرَاك بن مَالك قَالَ سَمِعت نَوْفَل بن مُعَاوِيَة يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من الصَّلَاة صَلَاة من فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله فَقَالَ بن عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هِيَ صَلَاة الْعَصْر وَأخرج بن أبي شيبَة من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا من ترك صَلَاة مَكْتُوبَة حَتَّى تفوته من غير عذر فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله لكنه مخرج فِي مُسْند أَحْمد بِلَفْظ من ترك الْعَصْر فَرجع الحَدِيث إِلَى تَعْيِينهَا نعم فِي فَوَائِد تَمام من طَرِيق مَكْحُول عَن أنس مَرْفُوعا من فَاتَتْهُ صَلَاة الْمغرب فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله فَإِن كَانَ رَاوِيه حفظ وَلم يهم دلّ ذَلِك على عدم الِاخْتِصَاص كَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله قَالَ النَّوَوِيّ روى بِنصب اللامين ورفعهما وَالنّصب هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور على أَنه مفعول ثَان وَمن رفع فعلى مَا لم يسم فَاعله وَمَعْنَاهُ انتزع مِنْهُ أَهله وَمَاله وَهَذَا تَفْسِير مَالك بن أنس وَأما على النصب فَقَالَ الْخطابِيّ وَغَيره مَعْنَاهُ نقص أَهله وَمَاله وسلبهم فَبَقيَ وترا بِلَا أهل وَلَا مَال فيحذر من تفويتها كحذره من ذهَاب أَهله وَمَاله وَقَالَ بن عبد الْبر مَعْنَاهُ عِنْد أهل الْفِقْه واللغة أَنه كَالَّذي يصاب بأَهْله وَمَاله إِصَابَة يطْلب بهَا وترا وَالْوتر الْجِنَايَة الَّتِي يطْلب تارها فيجتمع عَلَيْهِ غمان غم الْمُصِيبَة وغم مقاساة طلب الثار وَلذَا قَالَ وتر وَلم يقل مَاتَ أَهله وَقَالَ الداوودي مَعْنَاهُ يتَوَجَّه عَلَيْهِ النَّدَم والأسف لتفويته الصَّلَاة وَقيل مَعْنَاهُ فَاتَهُ من الثَّوَاب مَا يلْحقهُ من الأسف عَلَيْهِ كَمَا يلقح من ذهب أَهله وَمَاله انْتهى وَقَالَ غَيره حَقِيقَة الْوتر كَمَا قَالَ الْخَلِيل هُوَ الظُّلم فِي الدَّم واستعماله فِي غَيره مجَاز وَقَالَ الْجَوْهَرِي الموتور هُوَ الَّذِي قتل لَهُ قَتِيل فَلم يدْرك دَمه وَيُقَال أَيْضا وتره حَقه أَي نَقصه وَقيل الموتور من أَخذ أَهله وَمَاله وَهُوَ ينظر وَذَلِكَ أَشد لغمه وَلذَلِك وَقع عِنْد أبي مُسلم الْكَجِّي من طَرِيق حَمَّاد بن مسلمة عَن أَيُّوب عَن نَافِع فِي آخر الحَدِيث وَهُوَ قَاعد فَهُوَ إِشَارَة إِلَى أَنه أخذا مِنْهُ وَهُوَ ينظر وَقَالَ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ كَانَ مَعْنَاهَا أَنه وتر هَذَا الْوتر وَهُوَ قَاعد غير مقَاتل عَنْهُم وَلَا ذاب وَهُوَ أبلغ فِي الْغم لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَقع مِنْهُ شَيْء من ذَلِك لَكَانَ أسلى لَهُ قَالَ وَيحْتَمل أَن مَعْنَاهُ وَهُوَ مشَاهد لتِلْك المصايب غير غَائِب عَنْهُم فَهُوَ أَشد لتحسره قَالَ وَإِنَّمَا خص الْأَهْل وَالْمَال بِالذكر لِأَن الِاشْتِغَال فِي وَقت الْعَصْر إِنَّمَا هُوَ بالسعي على الْأَهْل والشغل بِالْمَالِ فَذكر أَن تَفْوِيت هَذِه الصَّلَاة نَازل منزلَة فقد الْأَهْل وَالْمَال فَلَا معنى لتفويتهما بالاشتغال بهما مَعَ كَون تفويتها كفواتهما أصلا ورأسا وَقَالَ بن الْأَثِير فِي النِّهَايَة يرْوى بِنصب الْأَهْل وَرَفعه فَمن نصب جعله مَفْعُولا ثَانِيًا لوتر وأضمر فِيهَا مَفْعُولا للم يسم فَاعله عَائِدًا إِلَى الَّذِي وَمن رفع لم يضمر وأنام الْأَهْل مقَام مَا لم يسم فَاعله لأَنهم المصابون المأخوذون فَمن رد النَّقْص إِلَى الرجل نصبهما وَمن رده إِلَى الْأَهْل وَالْمَال رفعهما وَقَالَ الْحَافِظ مغلطاي قيل إِن النصب على نزع الْخَافِض وَالْأَصْل وتر فِي أَهله وَقيل إِن الرّفْع على أَنه يدل اشْتِمَال أَو بدل بعض وَفِي شرح الْمَشَارِق للشَّيْخ أكمل الدّين قيل يجوز أَن يكون النصب على التَّمْيِيز أَي وتر من حَيْثُ الْأَهْل نَحْو غبن رَأْيه وألم نَفسه وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ على وَجه

[22] فلقي رجلا لم يشْهد الْعَصْر قَالَ فِي الاستذكار ذكر بعض من شرح الْمُوَطَّأ إِن هَذَا الرجل هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ وَهَذَا لَا يُوجد فِي أثر علته وَإِنَّمَا هُوَ رجل من الْأَنْصَار من بني حَدِيدَة طففت أَي نقصت نَفسك حطها من الْأجر تأخيرك عَن صَلَاة الْجَمَاعَة والتطفيف فِي لِسَان الْعَرَب هُوَ الزِّيَادَة على الْعدْل وَالنُّقْصَان مِنْهُ

الصفحة 25