كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 1)

والشعب الإيمانية، ما هو أصل كل فلاح وخير، وبدأ في هذه الآية بأعظم النعم، وأجلها على الإطلاق، وهو: جعله الأنبياء فيهم، يخبرونهم عن الله، بما يحصل لهم به السعادة الكبرى، والمنة الجليلة العظمى؛ وكل خير حصل في الأرض من ذلك، فأصله مأخوذ عن الرسل والأنبياء، إذ هم الأئمة الدعاة الأمناء، وأهل العلم عليهم البلاغ، ونقل ذلك إلى الأمة، فإنهم واسطة في إبلاغ العلم، ونقله.
وأما قوله: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً} [سورة المائدة آية: 20] ، فهذه نعمة جليلة يجب شكرها، وتتعين رعايتها، فإنها من أفضل النعم، وأجلها. والشكر قيد النعمة، إن شكرت قرت; وإن كفرت فرت. ولم تحصل هذه النعمة، إلا باتباع الأنبياء، وطاعة الرسل، فإن بني إسرائيل إنما صاروا ملوك الأرض بعد فرعون وقومه، باتباع موسى، وطاعة الله ورسوله، والصبر على ذلك، قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا} [سورة الأعراف آية: 137] .
وقد حصل باتباع محمد صلى الله عليه وسلم لمن آمن به من العرب، الأميين وغيرهم من أجناس الآدميين، من الملك وميراث الأرض، فوق ما حصل لبني إسرائيل، فإنهم ملكوا الدنيا، من أقصى المغرب، إلى أقصى المشرق ; وحملت إليهم كنوز كسرى ملك الفرس، وقيصر ملك الروم، وصارت بلادهم، وبلاد المغرب والمشرق، ولاية

الصفحة 463