كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 1)

ونيل مطالب الطالبين، وتحصيل رغبات الراغبين، عدلا منهم بالله رب العالمين، وصرف خالص محبة العبودية، وما يجب من الخضوع لرب البرية، إلى الأنداد والشركاء والوسائل، والشفعاء، بل وسائر العبادات الدينية، صرفت إلى المشاهد الوثنية، والمعابد الشركية، وصرحت بذلك ألسنتهم، وانطوت عليه ضمائرهم، وعملت بمقتضاه جوارحهم; ولم ينج من شرك هذا الشرك، إلا الخواص والأفراد، والغرباء في سائر البلاد; وذلك مصداق ما أخبر به الصادق، بقوله: " بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ " 1. قال بعض الأفاضل، من أزمان متطاولة: الإسلام في وقتنا، أشد منه غربة في أول ظهوره.
قلت: وذلك أنه في أول وقت ظهوره يعرفه الكافرون، والمنكرون له، كما قال تعالى، حاكيا عنهم أنهم قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [سورة ص آية: 5] ، وأكثر المنتسبين إلى الإسلام، في هذه الأزمان، يعتقدون، أنه هو الاعتقاد في الصالحين، ودعوتهم، والاستغاثة بهم، والتقرب إليهم، بأنواع العبادات، كالذبح، والنذر، والحلف، وغير ذلك من أنواع الطاعات; وذلك لأنه ولد عليه صغيرهم، وشاب عليه كبيرهم، واعتادته طباعهم، فتراهم عند تجريد التوحيد يقولون: هذا مذهب خامس; لأنهم لا يعرفون غير ما نشؤوا عليه واعتادوه، لا
__________
1 مسلم: الإيمان (145) , وابن ماجه: الفتن (3986) , وأحمد (2/389) .

الصفحة 492