كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 1)

الحسب والرغبة له تعالى دون الرسول، لأنهما من أنواع العبادة، وصرفهما لغيره سبحانه شرك، وجعل الإيتاء إلى الرسول، لأنه يقدر عليه; وقال: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [سورة الشرح آية: 8] ، وقال: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [سورة يونس آية: 107] .
فنفى كشف الضر عن كل أحد، بلا النافية، وأثبته لنفسه بالاستثناء، وهذا من أعظم النفي، كما في قوله: {لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [سورة الصافات آية: 35] فإنه نفى بها جميع الآلهة، وأثبت الألوهية له، دون كل من سواه، فأخرجت جميع المخلوقات، فاعرف الفرق بين الندائين، كما عرفت الفرق بين قوله صلى الله عليه وسلم: " إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله "، وقوله: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [سورة القصص آية: 15] . ومن لا بصيرة لديه يظن أن القرآن يخالف السنة. ومن تأمل تفاسير القرآن التي اتصلت بالسند إلى الصحابة، كتفسير الثعلبي، وتفسير البغوي، وتفسير ابن جرير الطبري، عرف مقاصد القرآن.
ومما يزيد المعنى إيضاحا: ما رواه ابن أبي الدنيا بسنده، أن أبا طلحة، خرج من داره، يريد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال أتاه، فوجده يخطب، وهو يقول: " ومن يستغن يغنه الله، ومن يستعف يعفه الله، فقال بأعلى صوته: حتى منك يا رسول الله؟ قال: حتى مني. فرجع ولم يسأله شيئا، قال أبو طلحة: فما لبثت أن كنت، من

الصفحة 543