كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 1)

فمن استثنى في إيمانه، فهو شاك فيه عندهم.
وأما الذين أوجبوا الاستثناء، فلهم فيه مأخذان; أحدهما: أن الإيمان، هو ما مات عليه الإنسان، والإنسان إنما يكون عند الله مؤمنا، وكافرا، باعتبار الموافاة، وما سبق في علم الله أنه يكون عليه، وهو مأخذ كثير من المتأخرين، من الكلابية، وغيرهم ممن يريد أن ينصر ما استشهد عليه أهل السنة والحديث، من قولهم: أنا مؤمن إن شاء الله، ويريد مع ذلك: أن الإيمان لا يتفاضل، ولا يشك الإنسان في الموجود منه; وإنما يشك في المستقبل; وهذا وإن علل به كثير من المتأخرين من أصحاب الحديث، من أصحاب أحمد، ومالك، والشافعي، وغيرهم، فما علمت أحدا من السلف علل به الاستثناء.
قلت: فالمرجئة، والجهمية، يحرمون الاستثناء، في الحال، والمآل، وهؤلاء: يبيحونه في المآل، ويمنعونه في الحال.
قال شيخ الإسلام، رحمه الله: والمأخذ الثاني في الاستثناء: أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به كله، وترك المحرمات كلها، فإذا قال الرجل: أنا مؤمن بهذا الاعتبار، فقد شهد لنفسه: أنه من الأبرار المتقين، القائمين بفعل جميع ما أمروا به، وترك كل ما نهوا عنه، فيكون من أولياء الله; وهذا من تزكية الإنسان لنفسه، وشهادته لها بما لا يعلم، ولو كانت هذه الشهادة صحيحة، لكان ينبغي أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذه الحال، وهذا مأخذ عامة

الصفحة 552