كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 1)

السلف مقصودهم، صاروا يكرهون السؤال، ويفصلون الجواب.
وهذا لأن لفظ الإيمان، فيه إطلاق، وتقييد، فكانوا يجيبون بالإيمان المقيد، الذي لا يستلزم أنه شاهد لنفسه بالكمال; ولهذا كان الصحيح: أنه يجوز أن يقال: أنا مؤمن بلا استثناء، إذا أراد ذلك، لكن ينبغي أن يقرن كلامه، بما يبين أنه لم يرد الإيمان المطلق الكامل، ولهذا كان أحمد يكره أن يجيب على المطلق بلا استثناء.
قلت: فظهر القول الثالث، الذي هو الصحيح، وهو: أنه إذا قال: أنا مؤمن; فإن أراد بذلك الإيمان المقيد، الذي لا يستلزم للكمال، جاز له ترك الاستثناء، وإن أراد المطلق المستلزم للكمال، فعليه أن يستثنى في ذلك; قال الخلال: أخبرني حرب بن إسماعيل، وأبو داود; قال أبو داود: سمعت أحمد قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: " إذا سئل المؤمن، أمؤمن أنت؟ لم يجبه; ويقول: سؤالك إياي بدعة، ولا أشك في إيماني; وقال: إن شاء الله ليس يكره، ولا يدخل الشك ". وقد أخبرني عن أحمد أنه قال: لا نشك في إيماننا، وأن السائل لا يشك في إيمان المسؤول، وهذا أبلغ; وهو إنما يجزم بأنه مقر مصدق بما جاء به الرسول، لا يجزم بأنه قائم بالواجب.
فعلم: أن أحمد وغيره، من السلف، كانوا يجزمون،

الصفحة 554