كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 1)

فظهر بهذا أن المذكور في الحديث، يكون له تسلط على الناس، حتى يقهرهم، ويستولي عليهم، كاستيلاء الراعي على غنمه، بحيث لا يتخلف أحد من رعيته عن طاعته. ومن تأمل ما وقع من كثير من الناس، من التخلف عن متابعة هذا الأمير، والخروج عن طاعته، والعصيان لأمره، وعرف ما قاله العلماء في معنى الحديث، أوجب له ذلك التوقف فيما قاله هؤلاء، والانكفاف عما أقدموا عليه، هذا لو لم ينقل في شأن القحطاني إلا هذا.
فكيف وقد قال القرطبي: يجوز أن يكون القحطاني هو الجهجاه، المذكور في الحديث الذي رواه مسلم، يشير لى حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تذهب الأيام والليالي، حتى يملك رجل، يقال له الجهجاه " 1، ونقل في بعض الأخبار: أن خروج القحطاني بعد المهدي، كما سيأتي بيانه.
وأما إسلام القحطاني أو إيمانه، فليس في حديث الصحيحين تعرض لذلك، وقد تقدم الحديث، ولفظه: " لا تقوم الساعة، حتى يخرج رجل من قحطان، يسوق الناس بعصاه " 2، وليس في هذا ما يدل على إسلامه، ولا إيمانه، كما أنه لا يدل على كفره، ولا نفاقه; بل هذا خبر مجرد، كإخباره صلى الله عليه وسلم بالجهجاه، وهذا من أنباء الغيب، التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم كما أخبر بالفتن، والملاحم، والدخان، والدابة، وخروج الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من
__________
1 مسلم: الفتن وأشراط الساعة (2911) , والترمذي: الفتن (2228) .
2 البخاري: المناقب (3517) , ومسلم: الفتن وأشراط الساعة (2910) .

الصفحة 561