كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 1)

لهم; ولهذا قال عدي: إنهم لم يعبدوهم; وحكم الشيء تابع لحقيقته، لا لاسمه، ولا لاعتقاد فاعله; فهؤلاء كانوا يعتقدون أن طاعتهم في ذلك، ليست بعبادة لهم، فلم يكن ذلك عذرا لهم، ولا مزيلا لاسم فعلهم، ولا لحقيقته وحكمه.
يوضح ذلك: ما روى الترمذي، وصححه، عن أبي واقد الليثي، قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [سورة الأعراف آية: 138] لتتبعن سنن من كان قبلكم ". فهؤلاء ما كانوا يظنون أن الذي طلبوه مما تنفيه لا إله إلا الله، فلم يكن جهلهم مغيرا لحقيقة هذا الأمر وحكمه.
ومن كان له معرفة بما بعث الله به رسوله، علم أن ما يفعل عند القبور من دعاء أصحابها، والاستغاثة بهم، والعكوف عند ضرائحهم، والسجود لهم، والنذر لهم، أعظم وأكبر من فعل الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وأقبح وأشنع من قول الذين قالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.

الصفحة 569