كتاب الأشباه والنظائر - السبكي (اسم الجزء: 1)

تحت السيف يحكم كونه مسلما فإن هذا إكراه بحق فلم يغير الحكم. اتفقت الطرق على هذا مع ما فيه من الغموض من طريق المعنى؛ فإن كلمتي الشهادة نازلتان في الإعراب عن الضمير منزلة الإقرار، والظاهر من المحمول عليهما أنه كاذب في إخباره. انتهى.
وقد حكاه عن الرافعي إلا أنه أسقط قوله: في إخباره. وليس بجيد؛ لأن الكذب عدم المطابقة لما في نفس الأمر١. وقائل الشهادتين مطابقتين، فلا يقال: إنه كاذب؛ نعم هو كاذب في إخباره أن ضميره مشتمل على الاعتقاد، فقد تبين أن قول الإمام: في إخباره قيد لا بد منه حذفه الرافعي ظنا منه أنه لا حاجة إليه فورد ما لا قبل له به.
واعترضه ابن الرفعة بأن هذه نزعة أسامة بن زيد قد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عنها٢ وكيف لا يكون ونحن نؤاخذ المقر للعبادة بما يغلب على الظن كذبه [فيما] ٣ إذا احتمل الصدق على بعد، وحق الله أولى بذلك، نعم هو إذا كان في نفس الأمر بخلاف ذلك لا يحصل له الفوز في [الدار] الآخرة. انتهى.
قلت: الإمام لا يخفى عليه نزعة أسامة. ولم يرد التشكيك على قبول إسلامه بل ذكر أن قبول إسلامه شرعا غامض من حيث المعنى، ولذلك قال: من حيث المعنى ولم
---------------
١ الخيالي على العقائد النسفية ٢٧.
٢ من حديث أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهتيه فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟ " قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح" قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا"، فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة قال: قال رجل: ألم يقل الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُوَ فِتْنَةٌ وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} ؟ فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا يكون فتنة وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة".
أخرجه البخاري ٧/ ٥٩٠ كتاب المغازي باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ... حديث ٤٢٦٩، ومسلم ١/ ٩٦، كتاب الإيمان باب تحريم قتل الكافر بعدما قال: لا إله إلا الله حديث "١٥٨-٢٥٦" واللفظ له.
٣ في ب: "فيه".

الصفحة 26