كتاب أعيان العصر وأعوان النصر (اسم الجزء: 1)

طلق المحيا بساما، حلو الكلام كأن ألفاظه الدر نظاماً، كأنما جسمه بُلاّر، وخداهُ ذوبُ عقيق أو جلّنار، أشقر بحواجب سود وعيون مثلها، وجفون قلما يرى في الناس مثلها، مستعذباً لطيفاً بمن يقصده، رؤوفاً بمن يلتجئ إليه ويرصده، لا تُرد له إشارة، ولا يعطّل السعدُ عشاره، فهو عبارة عن الدولة وسلطانها، وهو المتمتع بنيل أوطارها في أوطانها، وإذا ركب كان بين يديه ظمئتا عصا نقيبٍ، وإذا نزل إلى إصطبله فهي زورة حبيب غفل عنها الرقيب، عمر لهُ السلطانُ إصطبلاً على بِرْكةِ الفيل على الجسر الأعظم، وفيه دار قل أن رأت مثلها العيون، أو اقتضتها من الأماني ديون.
أخبرني نور الدين الفيومي، وكان شاهداً على هذه العمارة وهو صاحبي، أن نفقة هذه العمارة في كل يوم مبلغ ألف وخمس مئة درهم مع جاه العمل. لا، العجل من عند السلطان، والحجارين والفعول من المحابيس، فقلت له: فكم مقدار ذلك لو لم يكن جاه، فقال لي: على القليل في كل يوم ثلاثة آلاف درهم، وأقاموا يعمّرون فيها مدة أشهر. وخرجت أنا من القاهرة وهم يعملون في الجل ولم يصلوا إلى الرخام والمنجور وعرق اللؤلؤ والسقوف المدهونة بالازورد والذهب.
ولما توفي في طريق الحجاز عائداً في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة، خلّف من الأموال والقماش والأمتعة والأصناف والزرد خاناه ما يزيد على الحد ويستحي العاقل من ذكره.
أخبرني المهذب كاتُبه قال: أخذ السلطان من خيله أربعين فرساً، قال هذه لي

الصفحة 710