كتاب أعيان العصر وأعوان النصر (اسم الجزء: 1)

وتنكر السلطانُ له في طريق الحجاز واستوحش كل منهما من صاحبه، فاتفق أنهم في العود مرض ولده أحمد، ومرض بكتمر والده بعده، ومات ابنه قبله بثلاثة أيام. وعمل السلطان لأحمد تابوتاً وغشاهُ بجلدِ جمل وحمله معه. ولما مات بكتمر أمرَ السلطان للأمير سيف الدين بهادُر المعزي أن يدفنهما في الطريق عند نخل، وحث السير بعد ذلك.
وكان السلطان بعد ذلك في تلك السفرة كلها لا ينام إلا في برج خشب وبكتمر عنده، وقوصون على الباب، والأمراء والمشايخ كلهم حولّ البرج ينامون بسيوفهم، فلما مات بكتمر ترك السلطان ذلك، فعلم الناسُ أن ذلك الاحتراز كان خوفاً من بكتمر، وقيل: إنه دخل إليه السلطان وهو مريض في الحجاز فقال: بيني وبينك الله، فقال: كل من عمل شيئاً يلتقيه.
ولما مات صرخت أم أحمد وبكت وأعولت إلى أن سمعها الناس تتكلم بكلام قبيح في حق السلطان من جملته: أنت تقتل مملوكك أنا ابني إيش كان؟ فقال لها: بس تفشرين، هاتي مفاتيح صناديقه أنا كل شيء أعطيته من الجوهر أعرفه واحداً واحداً، فرمت بالمفاتيح إليه فأخذها. ولما حضر السلطان أظهر الندمَ عليه والخزن والكآبة، وأعطى أخاه قُماري إمرة مئة وتقدمة ألف، وكان يقول: ما بقي يجينا مثل بكتمر، ثم إنه أمر بحمل رمّته ورمةِ ولده من طريق الحجاز ودفنهما في تربته بالقرافة.
وكان للزمان به جمال وعلى الملك به رونق.
جاء أحمد بن مهنّا بعد قدوم السلطان من الحجاز ودخل يوماً إلى قاعدة الإنشاد وقال لنا سراً: بيت السلطان الآن يعوز شيئاً، وذلك الشيء كان بكتمر الساقي.

الصفحة 712