كتاب أعيان العصر وأعوان النصر (اسم الجزء: 1)

وقيل: إن السلطان كان يسير في طريق الحجاز وراء محفّة بكتمر وهو فيها مريض قدر رمية نشّاب، فإذا وقفوا به وقف وإذا مشوا به مشى، ويُجهز إليه بُغا الدوادار لكشف خبره، فلما جاء إليه وقال: يا خوند، مات ساق في مماليكه الخواص، وقال للحاج بهادر المعزي: يا أمير قف وغسله وادفنه، خلاه وسار يحثث السير، فعند ذلك نزل الأمير سيف الدين قوصون عن هجينه بعد ما عرّج عن الطريق، يُظهر أنه بُريق الماء واستند إلى الهجين وجعل يبكي والمنديل على عينيه، فقال له المملوك الذي معه: يا خوند ليش تبكي، ما كان بكتمر عدوّك؟ فقال: والك أنا أنا ما أبكي إلى على نفسي هكذا يُفعل ببكتمر؟! ومن فينا مثل بكتمر؟! ومن بقي بعد بكتمر؟! ما بقي إلا أنا.
وكان قصر بكتمر في سريا قوس بخلاف قصور بقية الأمراء لأنه قبالة قصر السلطان بحيث إنهما يتحادثان من داخل القصر، وعمر له بالقرافة خانقاه وتربةً مليحتين، وكان في إصطبله على البركة مائة سطل نحاس لمئة سائس، كل سائس على ستة أرؤس غير ماله في الجشارات والقرايا، ومع هذه العظمة والتقدم التمكن لم يكن له حماية ولا رعاية ولا لغلمانه ذكر، ومن المغرب يغلق باب إصطبله وما لأحدٍ به حس، وكان يتلطف بالناس ويقضي حوائجهم ويسوسهم أحسن سياسة، وما يخالفه السلطان في شيء، وكان يحجر على السلطان ويمنعه من مظالم كثيرة ظهرت من السلطان بعد موت بكتمر رحمه الله تعالى.
ولما تزوج آنوك ابنُ السلطان - على ما تقدّم في ترجمته - كنت أنا بالقاهرة سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة، ورأيت الشوار الذي حُمل من داره التي على بكرة الفيل إلى القلعة. وكان عدة الحًمالين ثمان مئة حّمال، المساند الزركش عشرة على أربعين حّمالاً،

الصفحة 713