كتاب أعيان العصر وأعوان النصر (اسم الجزء: 1)

وكان يَسْرد الصوم، ويتعبّد في الليلة واليوم، ويَكثر المجاورة بمكة والمدينة والقدس، ويخلو بنفسه في هذه الأماكن الشريفة فيجد البركة والأُنس. وكان ذا شَيْبة بيّضتها الليالي، ونوّرتها المعالي. وتَنَجَّز توقيعاً من السلطان الملك الناصر بأن يقيم حيث شاء من المساجد الثلاثة ويكون معلومه راتباً من بعده لأولاده ولأولاد أولاده أبداً، ولم أره يكتب شيئاً؛ لأنّ صاحب الديوان كان يُجلّه لتجلّيه، وجاور بمكة وأقام بها أخيراً، ثم إنه أتى إلى القدس الشريف وأقام به مُدّة إلى أن كَرّم الله لقاء ابن المكرّم، وخلّصه ممن تَجَرّأ أو تجرّم.
ووفاته بالقدس في أواخر شعبان سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، عن اثنتين وثمانين سنة وأشهر، رحمه الله وعفى عنه.
أبو بكر بن عمر بن السلاّر بتشديد اللام بعد السين المهملة، وبعد الألف راء، الفاضل ناصر الدين.
رَوَى عن ابن عبد الدائم. وكتب عنه الشيخ علم الدين البِرزالي وغيره.
وكان ذا جَلَدٍ على الجِدال، وقُدرةٍ على المناظرة والاستدلال، جيّد العبارة، بديع الكناية والاستعارة، تفنّن في الفضائل، وتوسّع في إيراد الدلائل، ونَظم شعراً كثيراً، وعلا به مَحَلاًّ أثيراً، وهو من بيت حشمة وإمارة، وللرياسة عليه دليلٌ وأَمَاره، مع عِزّة في نفسه، وإعراضٍ عمّا في أبناء جنسه، وهِمّةٍ تبلغ الثريّا، وعَزْمةٍ يتضوّع بها المجدرَيّا.
ولم يزل على حاله إلى أن استجنّه الضريح، وعَدَل الفناء إليه دون الكناية بالصريح.

الصفحة 729