كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية (اسم الجزء: 1)

مئة جُزْء فِي ثَمَانِينَ مجلدا فاختصرته وهذبته وزدته فَوَائِد من كتب أُخْرَى جليلة وأتقنته ووقف عَلَيْهِ الْعلمَاء وسَمعه الشُّيُوخ والفضلاء وَمر بِي فِيهِ من الْمُلُوك المتاخرين تَرْجَمَة الْملك الْعَادِل نور الدّين فأطربني مَا رَأَيْت من آثاره وَسمعت من أخباره مَعَ تَأَخّر زَمَانه وَتغَير خلانه
ثمَّ وقفت بعد ذَلِك فِي غير هَذَا الْكتاب على سيرة سيد الْمُلُوك بعده الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين فوجدتهما فِي المتاخرين كالعمرين رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْمُتَقَدِّمين فَإِن كل ثَان من الْفَرِيقَيْنِ حذا حَذْو من تقدمه فِي الْعدْل وَالْجهَاد واجتهد فِي إعزاز دين الله أَي اجْتِهَاد وهما ملكا بَلْدَتنَا وسلطانا خطتنا الله تَعَالَى بهما فَوَجَبَ علينا القايم بِذكر فضلهما فعزمت على إِفْرَاد ذكر دولتيهما بتصنيف يتَضَمَّن التقريظ لَهما والتعريف فَلَعَلَّهُ يقف عَلَيْهِ من الْمُلُوك من يسْلك فِي ولَايَته ذَلِك السلوك فَلَا أبعد أَنَّهُمَا حجَّة من الله على الْمُلُوك الْمُتَأَخِّرين وذكرى مِنْهُ سُبْحَانَهُ فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُم قد يستبعدون من أنفسهم طَريقَة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَمن حذا حذوهم من الْأَئِمَّة السَّابِقين وَيَقُولُونَ نَحن فِي الزَّمن الْأَخير وَمَا لأولئك من نَظِير فَكَانَ فِيمَا قدر الله سُبْحَانَهُ من سيرة هذَيْن الْملكَيْنِ إِلْزَام الْحجَّة عَلَيْهِم بِمن هُوَ فِي عصرهم من بعض مُلُوك دهرهم فَلَنْ يعجز عَن التَّشَبُّه بهما أحد إِن وفْق الله تَعَالَى الْكَرِيم وسدد وَأخذت ذَلِك من قَول أبي صَالح شُعَيْب بن حَرْب الْمَدَائِنِي رَحمَه الله وَكَانَ أحد السَّادة الأكابر فِي الْحِفْظ وَالدّين قَالَ إِنِّي لأحسب يجاء بسفيان الثَّوْريّ يَوْم الْقِيَامَة حجَّة من الله تَعَالَى على هَذَا الْخلق يُقَال لَهُم إِن لم تدركوا نَبِيكُم فقد أدركتم سُفْيَان أَلا اقْتَدَيْتُمْ بِهِ وَهَكَذَا أَقُول هَذَانِ حجَّة على الْمُتَأَخِّرين من الْمُلُوك والسلاطين فَلِله درهما من ملكَيْنِ تعاقبا على حسن السِّيرَة وَجَمِيل السريرة وهما حَنَفِيّ وشافعي شفى الله بهما كل عي وَظَهَرت بهما من خالقهما الْعِنَايَة فتقاربا حَتَّى فِي

الصفحة 26