كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية (اسم الجزء: 1)

(كَأَن فِي الدست مِنْهُ حِين تنظره ... شمس النَّهَار وَصوب الْعَارِض الهتن)
قَالَ ابْن الْأَثِير وَفِي شعْبَان من هَذِه السّنة وَهِي سنة تسع وَخمسين وَخمْس مئة توفّي الْوَزير جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي مَنْصُور الْأَصْفَهَانِي وَكَانَ قد خدم الشَّهِيد فولاه نَصِيبين وَظَهَرت كِفَايَته فأضاف إِلَيْهِ الرحبة فأبان عَن كِفَايَة وعفة وَكَانَ من خواصه فَجعله مشرف مَمْلَكَته كلهَا وَحكمه تحكيما لَا مزِيد عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ وَزِير الشَّهِيد وَالْحَاكِم فِي بِلَاده ضِيَاء الدّين بن الكَفَرْتُوثي يَحْكِي عَن جمال الدّين قَالَ كَانَ يدْخل إِلَى الشَّهِيد أتابك قبلي وَيخرج بعدِي
وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن قتل الشَّهِيد ثمَّ وزر لوَلَدي الشَّهِيد سيف الدّين ثمَّ قطب الدّين وَكَانَ بَينه وَبَين زين الدّين عَليّ كوجك عهود ومواثيق على المصافاة والاتفاق وَكَانَ أَصْحَاب زين الدّين يكرهونه ويقعون فِيهِ عِنْد زين الدّين فنهاهم
وَكَانَت الْموصل فِي أَيَّامه ملْجأ لكل ملهوف ومأمنا لكل خَائِف فسعى بِهِ الحساد إِلَى قطب الدّين حَتَّى أوغروا صَدره عَلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ إِنَّه يَأْخُذ أموالك فَيتَصَدَّق بهَا
فَلم يُمكنهُ أَن يغيِّر عَلَيْهِ شَيْئا بِسَبَب اتفاقه مَعَ زين الدّين فَوضع على زين الدّين من غَيره عَن مصافاته ومؤاخاته فَقبض عَلَيْهِ قطب الدّين وحبسه بقلعة الْموصل ثمَّ نَدم زين الدّين على الْمُوَافقَة على قَبضه لِأَن خَواص قطب الدّين وَأَصْحَابه كَانُوا يخَافُونَ جمال الدّين فَلَمَّا قُبض تبَّسطوا فِي الْأَمر وَالنَّهْي على خلاف غَرَض زين الدّين
فَبَقيَ جمالُ الدّين فِي الْحَبْس نَحوا من سنة ثمَّ مرض وَمضى لسبيله عَظِيم الْقدر والخطر

الصفحة 426