كتاب المجروحين لابن حبان ت حمدي (اسم الجزء: 1)

الصحابة؟ والسهو والخطأ موجودان في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما وجد فيمن بعدهم من المحدثين.
يقال له: إن الله تبارك وتعالى نزه أقدار أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ثلب قادح، وصان أقدارهم عن وقيعة منتقص، وجعلهم كالنجوم يقتدى بهم، وقد قال تبارك وتعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} ثم قال: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} فمن أخبر الله عز وجل أنه لا يخزيه في القيامة، وقد شهد له باتباعه ملة إبراهيم حنيفًا لا يجوز أن يجرح بالكذب، لأنه يستحيل أن يقول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} ثم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأْ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ" فيطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- إيجاب النار لمن أخبر الله عز وجل أنه لا يخزيه في القيامة، بل الخطاب في الخبر وقع على من بعد الصحابة، وأما من شهد التنزيلَ وصحب الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- فالثلب لهم غير حلال، والقدح فيهم ضد الإيمان، والتنقص لأحدهم نفس النفاق، لأنهم خير الناس قرنًا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحكم من {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} -صلى الله عليه وسلم- وأن من تولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إيداعهم ما ولاه الله بيانه للناس، لبالحري أن لا يجرح، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يودع أصحابه الرسالة وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب إلا وهم عنده صادقون جائزوا الشهادة، ولو لم يكونوا كذلك لم يأمرهم بتبليغ من بعدهم ما شهدوا منه، لأنه لو كان كذلك لكان فيه قدحًا في الرسالة، وكفى بمن عَدَّلَهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شرفًا، وأن من بعد الصحابة ليسوا كذلك، لأن الصحابي إذا أدى إلى من بعده يحتمل أن يكون المبلغ إليه منافقًا أو متدعًا ضالًا لا ينقص من الخبر أو يزيد فيه ليضل به العالم من الناس، فمن أجله ما فرقنا بينهم وبين الصحابة، إذ صان الله عز وجل أقدار الصحابة عن البدع والضلال، جمعنا الله وإياهم في مستقر رحمته بمنه.

ذكر أول من وقى الكذب على رسول -صلى الله عليه وسلم-
حدثنا الهيثم بن خلف الدوري ببغداد، والحسين بن عبد الله القطان بالرقة، قالا: أخبرنا إسحاق بن موسى الأنصاري، قال: حدثنا معن بن

الصفحة 36