كتاب السلوك في طبقات العلماء والملوك (اسم الجزء: 1)

فَكَانَ أول شَيْء فعله مِمَّا يُنكره النَّاس بِخِلَاف مَا كَانَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِ صُعُوده من الْمِنْبَر وقعوده فِيهِ على الْمرقاة الَّتِي كَانَ يقْعد عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ أَن مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ثَلَاث درج يقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الثَّالِثَة مِنْهُنَّ فَلَمَّا قَامَ أَبُو بكر وقف على الثَّانِيَة وَقَالَ لَا يراني الله وَاقِفًا موقف نبيه ثمَّ لما ولي عمر وقف على الأولى وَقَالَ لَا يراني أَهلا لموقف أبي بكر فَلَمَّا ولي عُثْمَان صعد على الثَّالِثَة وَقَالَ مَا بِهَذَا من بَأْس فحدقه النَّاس بِأَبْصَارِهِمْ فارتج عَلَيْهِ الْكَلَام فَقَالَ إِنَّكُم إِلَى إِمَام فعال أحْوج مِنْكُم إِلَى إِمَام قَوَّال
وَكَانَ طلوعه ذَلِك عقيب مبايعة الْمُسلمين لَهُ ثَالِث الْمحرم وَقيل رابعه سنة أَربع وَعشْرين وَاسْتمرّ إِلَى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ لم يسْلك هُوَ وَلَا أحد من نوابه غير طَرِيق الشَّيْخَيْنِ ثمَّ حصل من عماله فِي مصر وَالْعراق مَا أوجب الطعْن عَلَيْهِ وَخُرُوج الْخَوَارِج إِلَيْهِ من أنحاء شَتَّى وَلم يزَالُوا كَذَلِك إِلَى أَن قتل يَوْم الْجُمُعَة صَابِرًا محتسبا صَائِما بعد أَن حوصر أَرْبَعِينَ يَوْمًا لم يبد مِنْهُ كلمة يكون فِيهَا لمبتدع حجَّة وَلَقَد قيل لَهُ وَهُوَ مَحْصُور مَا الَّذِي تَأْمُرنَا بِهِ إِن كَانَ بك كَون فَقَالَ انْظُرُوا مَا اجْتمعت عَلَيْهِ أمة مُحَمَّد فكونوا عَلَيْهِ فَإِنَّهَا لَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة حَتَّى قتل قتلة كَابْن آدم حِين قَالَ لِأَخِيهِ {لَئِن بسطت إِلَيّ يدك لتقتلني مَا أَنا بباسط يَدي إِلَيْك لأقتلك إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين} وَقد كَانَ رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ اللَّيْلَة فَقَالَ يَا عُثْمَان أفطر عندنَا فَلَمَّا أصبح قَالَ لعبيده المحيطين ببيته من أغمد سَيْفه فَهُوَ حر فأغمدوا سيوفهم فجد الْخَوَارِج عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ لثلاث خلون من الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَقيل كَانَ قَتله أَيَّام التَّشْرِيق بعد أَن حوصر أَرْبَعِينَ يَوْمًا
وَاخْتلف فِي عمره فَقيل اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سنة وَأشهر وَقيل ثَمَانِي وَثَمَانُونَ سنة وَقيل تسع وَثَمَانُونَ وَقيل تسعون سنة

الصفحة 171