كتاب السلوك في طبقات العلماء والملوك (اسم الجزء: 1)

وَكَانَت وَفَاته كرم الله وَجهه شَهِيدا من ضَرْبَة ضربه ابْن ملجم وَهُوَ فِي الصَّلَاة محرم بِجَامِع الْكُوفَة وَذَلِكَ لسبع عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة وَبلغ عمره ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة وَقبل ثمانيا وَخمسين سنة وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الْحسن وَكَانَت خِلَافَته أَربع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَقد ذكرت مَوضِع دَفنه فِيمَا مضى وَختم الله بِهِ الْخلَافَة كَمَا ختم النُّبُوَّة بِمُحَمد
وَمن ذَلِك قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخلَافَة ثَلَاثُونَ عَاما فَكَانَ آخر قيام عَليّ آخر الثَّلَاثِينَ وَقيل بَقِي مِنْهَا أشهر أَخذهَا الْحسن كرم الله وَجهه ثمَّ خلع نَفسه ميلًا إِلَى حقن دِمَاء الْمُسلمين
وَكَيْفِيَّة ذَلِك أَن مُعَاوِيَة لما قَصده إِلَى الْكُوفَة بِجَيْش عَظِيم من الشَّام ومصر وَخرج إِلَيْهِ الْحسن بِجَيْش لم يكن بِدُونِ جَيْشه فَلَمَّا رأى الْحسن كَثْرَة الجيشين خشِي على الْمُسلمين أَن يتفانوا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته يَا مُعَاوِيَة الله الله بِأمة مُحَمَّد لَا تفنهم على طلب الدِّينَا
إِن كَانَ هَذَا الْأَمر لَك فَمَا يَنْبَغِي لي أَن أنازعك فِيهِ وَإِن كَانَ لي فقد آثرتك بِهِ إبْقَاء على الْمُسلمين وحقنا لدمائهم فَقَالَ الْمُغيرَة حِينَئِذٍ لقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُؤمنِينَ
فَخلع الْحسن نَفسه وَبَايع لمعاوية وَذَلِكَ بعد أَن أَقَامَ سَبْعَة أشهر واثني عشر يَوْمًا وَكَانَت هَذِه الْمدَّة هِيَ الْبَقِيَّة من الثَّلَاثِينَ الَّتِي عناها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله الْخلَافَة ثَلَاثُونَ عَاما ثمَّ يكون بعد ذَلِك الْملك
وَقد عرض مَعَ ذكر عَليّ كرم الله وَجهه ذكر عبيد الله بن الْعَبَّاس وَهُوَ ابْن عَمه وَأحد الصَّحَابَة وَله عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رِوَايَات وَكَانَ أكبر من أَخِيه عبد الله الْمُفَسّر بِسنتَيْنِ كَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ سنة سبع وَثَمَانِينَ
ثمَّ صَار الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة فاستناب عُثْمَان بن عَفَّان الثَّقَفِيّ فَلبث مُدَّة ثمَّ عَزله بأَخيه عتبَة بن أبي سُفْيَان وَجمع لَهُ ولَايَة المخلافين صنعاء والجند فَلبث فِي الْيمن سنتي وَلحق بأَخيه فاستخلف فَيْرُوز الديلمي بِصَنْعَاء وبالجند قيس الْكَاتِب

الصفحة 174