كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 1)

وأشعارها وأخبارها، ووثقوه وعدّلوه، وإن كان ذلك لم يمنع بعض منافسيه من النّيل منه، ولكنه نيل مردود، فقد كان فى الذروة من الثقة والأمانة، وهو عربى صليبة، ولد حوالى سنة 122 للهجرة وتوفى سنة 215 وقيل سنة 216، أو 217، وفيه يقول ابن جنّى: «وهذا الأصمعى هو صنّاجة الرواة والنقلة، وإليه محط الأعباء والثقلة. . . كانت مشيخة القراء وأماثلهم تحضره وهو حدث لأخذ قراءة نافع عنه، ومعلوم كم قدر ما حذف من اللغة فلم يثبته، لأنه لم يقو عنده إذ لم يسمعه، وإما إسفاف من لا علم له وقول من لا مسكة به إن الأصمعى كان يزيد فى كلام العرب ويفعل كذا ويقول كذا فكلام معفوّ عنه غير معبوء به (¬1)» ويقول أبو الطيب اللغوى: «فأما ما يحكيه العوام وسقّاط الناس من نوادر الأعراب ويقولون: هذا مما افتعله الأصمعى. . وأنى يكون الأصمعى كما زعموا وهو لا يفتى إلا فيما أجمع عليه العلماء ويقف عما ينفردون به عنه، ولا يجوّز إلا أفصح اللغات ويلجّ فى دفع ما سواه (¬2)». وله مجموعة مشهورة من الشعر القديم هى الأصمعيات وهى كالمفضليات ثقة ودقة، ورويت عنه دواوين كثيرة أشهرها الدواوين الستة: دواوين امرئ القيس والنابغة وزهير وطرفة وعنترة وعلقمة بن عبدة الفحل.
وكان يعاصره عالمان كبيران هما أبو زيد وأبو عبيدة، وكان أبو زيد يعنى بجمع اللهجات واللغات الشاذة وتوفى وقد قارب المائة، سنة 214 أو 215، وهو عربى أنصارى خزرجى، أما أبو عبيدة معمر بن المثنى فولد حوالى سنة 110 وتوفى حوالى سنة 211 وهو من الموالى وكانت فيه نزعة شعوبية صارخة، ولكن الرواة وثقوه (¬3) وينبغى أن لا نتبعهم فى توثيقه وأن نقدم عليه الأصمعى وأبا زيد، وكان يهتم بالأنساب والأيام، وشرح نقائض جرير والفرزدق شرحه المشهور.
وكان بجانب هؤلاء الذين تحدثنا عنهم رواة يختلفون ثقة وتجريحا مثل الهيثم ابن عدى المتوفى سنة 206 وكان يهتم بالأخبار التاريخية وتشوب التهمة روايته، وأكثر منه تهمة فى هذا الباب محمد بن السائب الكلبى المتوفى سنة 146 للهجرة وابنه هشام المتوفى سنة 204 وهما من كبار الوضاعين ويروى عن هشام أنه كان يقول، «كنت
¬_________
(¬1) الخصائص 3/ 311.
(¬2) مراتب النحويين ص 49.
(¬3) إنباه الرواة 3/ 280.

الصفحة 155