كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 1)

وكانت نقوشها تكتب بالخط الآرامى، ومنه نشأ تطور الخط العربى فى الحجاز.
وتختلف هذه اللهجات الأربع اختلافات كثيرة عن لغة الجاهليين، وإن كان من المؤكد أن اللهجة النبطية أقربها جميعا إليها، وقد أخذت فى الدثور منذ القرن الثالث للميلاد، بينما أخذت تحل محلها مقدمات الفصحى بحيث لا نصل إلى نهاية القرن الخامس وأوائل السادس الميلادى، حتى تتكامل تكاملا تامّا وتعم بين القبائل النجدية وفى الحيرة وبين الغساسنة، وتصبح هى اللغة العامة المتداولة بين الشعراء. وكانت هناك لهجات قبلية كثيرة ولكن الفصحى ظفرت بها جميعا فى المجال الأدبى، بحيث كان الشعراء فى كل قبيلة ينظمون بها مرتفعين عن لهجاتهم القبلية أو المحلية، وقد حار المستشرقون طويلا فى معرفة اللهجة التى سادت بين القبائل فى الشمال وأصبحت اللهجة الأدبية الشائعة على كل لسان، وأثبتّ أنها لهجة قريش، إذ تآزرت بواعث دينية واقتصادية وسياسية على أن تتم لها هذه السيادة منذ أوائل العصر الجاهلى.
وبحثت عقب ذلك فى رواية الشعر الجاهلى وتدوينه، مبينا كيف تضافرت جهود القبائل العربية ورجالاتها وشعراؤها على حمله جيلا بعد جيل، حتى تسلّمه منهم طبقة من الرواة المحترفين فى البصرة والكوفة، وكان بينهم الثقة الذى لا يرتفع شك إلى روايته مثل المفضل الضبى والأصمعى والمتهم الذى يجمع العلماء على إبطال روايته مثل حماد وخلف الأحمر. وفى تضاعيف ذلك كان الشعر الجاهلى يدوّن، بحيث لا نصل إلى أوائل القرن الثالث للهجرة حتى يتكامل تدوينه. والذى لا شك فيه أنه دخله انتحال كثير، ولم يكن القدماء غائبين عن ذلك، فقد نصّوا على كل ما شكوا فيه من رواة ومن شعر، حتى يحيطوه بسياج من التوثيق، أو بعبارة أدق حتى يحيطوا الصحيح منه. ومنذ أواسط القرن الماضى يلم المستشرقون بالمشكلة، واندفع منهم مرجليوث فى هذا القرن يزعم أن الشعر الجاهلى جميعه منحول على أهله، وهب كثير من المستشرقين يردّون عليه، وممن ذهب مذهبه فى تعميم الحكم على الشعر الجاهلى بالانتحال والوضع طه حسين، وإن لم يتسع بحكمه اتساع مرجليوث. وعلى هدى من آراء طه حسين ومرجليوث جميعا تناول القضية بلاشير فى الجزء الأول من كتابه «تاريخ الأدب العربى». وقد ناقشت آراءه وآراء غيره من الباحثين، وانتهيت إلى أن هناك شعرا منتحلا كثيرا لا سبيل

الصفحة 426